زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى السودان اليوم (٢٥ أغسطس ٢٠٢٠) شكلت حدثا تاريخيا مهما،اذ انها الأولى لوزير خارجية أميركي منذ سنوات عدة.
يعود الفضل في ذلك أولا لشعب السودان الذي فجر ثورة شعبية باهرة وفرت مناخا جديدا في السودان، هذا بالاضافة الى الدور الريادي الايجابي الذي قام به رئيس (حكومتنا المدنية) دكتور عبد الله حمدوك وفريقه الدبلوماسي، اذ فتح جسور التواصل مع واشنطن ودول أخرى في أوروبا والعالم .
زيارة بومبيو تؤشر أولا كما أرى الى ان الولايات المتحدة التي اوفدت رئيس دبلوماسيتها الى الخرطوم لم تعد تنظر الى السودان كمصدر لدعم ورعاية الارهاب بل كساحة جديدة للديمقراطية والسلام والاستقرار في المنطقة .
لو كانت هناك تهديدات ارهابية حاليا على الساحة السودانية ما كان بالامكان ان تتم الزيارة،ما يعني انه لم تعد هناك مبررات لاستمرار وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
أي اذا لم ترفع واشنطن تلك العقوبة خلال هذه الفترة فهذا يعني أنها تمارس سياسة الابتزاز ضد حكومة السودان وتعرقل مسار الانتقال الديمقراطي .
واشنطن و فقا لتصريحات بومبيو تؤكد أنها تدعم الانتقال الديمقراطي في السودان،وأرى أنها تسعى لتعزيز العلاقة السودانية الأميركية، تحقيقا للمصالح المشتركة .
تفاعلات المحادثات عكست حرص واشنطن والخرطوم على التعاون في مجالات عدة، وسيركزان على ميادين سياسية واقتصادية وأمنية (الخ) .
المناخ الراهن في السودان جاذب للاستثمارات الأميركية ، ومعلوم ان السودان زاخر بموارده المتنوعة،وتسعى واشنطن لاسترداد موقع الصدارة في مجال الاستثمارات على حساب الصين التي نالت أوسع فرص الاستثمار خلال فترة حكم عمر البشير المباد في زمن القطيعة بين واشنطن والخرطوم.
تفاعلات الزيارة اتسمت بالشفافية واستقلالية الموقف والقرار السوداني وعدم خضوعه لأي محور ، وبدا ذلك واضحا في بيان (قوى الحرية والتغيير) عشية الزيارة ،وفي بيان الحكومة الانتقالية بعد محادثات حمدوك وبومبيو .
(قوى الحرية والتغيير) رحبت بزيارتي بومبيو و رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد (اليوم)،وزيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي ،والمأمول أن تمتد الجسور بين الخرطوم والدوحة تحقيقا للمصالح المشتركة ولسياسة خارجية متوازنة .
بشأن قضية الساعة فان بيان (المجلس المركزي لقوى الحرية) (بمشاركة ممثلين لحزب الأمة القومي) أوضح بعد اجتماعهم مع حمدوك عشية زيارة بومبيو أن (الاجتماع جدد الموقف من قضية التطبيع مع إسـرائيل بإعتبارها ليست من قضايا حكومة الفترة الانتقالية المحكومة بالوثيـقة الدستـورية، وأمـن علي حـق الشعب الفلسطينـي في اراضيه وحـق الحياة الحـرة الكريمة).
بيان الحكومة السودانية بعد المحادثات بين حمدوك وبومبيو قال
بشأن( الطلب الأميركي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل أوضح رئيس الوزراء للوزير الأميركي أن المرحلة الانتقالية في السودان يقودها تحالف عريض باجندة محددة لاستكمال عملية الانتقال وتحقيق السلام والاستقرار في البلاد وصولا لقيام انتخابات حرة، ولا تملك الحكومة الانتقالية تفويضا يتعدى هذه المهام للتقرير بشأن التطبيع مع إسرائيل، وأن هذا الأمر يتم التقرير فيه بعد إكمال أجهزة الحكم الانتقالي).
وحاء في البيان أن (رئيس الوزراء دعا الإدارة الأمريكية الى ضرورة الفصل بين عملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومسألة التطبيع مع إسرائيل).
بيان (قوى الحرية بمشاركة ممثلي حزب الأمة القومي في الاجتماع ) وبيان الحكومة اتسما بالشفافية وجاءا في مستوى ثورة شعب السودان، التي انتصرت للارادة الوطنية ، وعبرا كما أرى عن خطوة وسعي لتحقيق سياسة خارجية متوازنة لا تخضع للمحاور .
هذا معناه ان هناك أولويات محددة للحكومة السودانية في هذه المرحلة،وأن مسألة العلاقة مع اسرائيل ستبت فيها حكومة منتخبة بعد انتهاء الفترة الانتقالية واجراء انتخابات ليختار الشعب قياداته .
هذا الموقف رسالة الى جهات عدة داخلية وخارجية .
هذا الموقف عقلاني ودبلوماسي ويجنب الساحة السودانية أية تجاذبات وأزمات جديدة خلال هذه المرحلة .
في هذا السياق أطل تحرك مشترك ل (قوى الحرية) وحزب الأمة لمناقشة قضايا الساعة الساخنة وفي صدارتها الأزمة المعيشية الطاحنة .
المأمول أن تتوحد الصفوف بين كل القوى السياسية والمهنية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني،وكل الجهات التي صنعت الثورة لتكون هناك حاضنة سياسية وشبابية فاعلة وحيوية.
في هذا الإطار جاء حرص دكتور حمدوك على الاجتماع مع المجلس المركزي لقوى الحرية بحضور ممثلي حزب الأمة عشية وصول بومبيو للتشاور وتنسيق المواقف .
هذه خطوة إيجابية تحسب لدكتور حمدوك ..
تعميق نهج التشاور والتنسيق مع القوى السياسية (الثورية) ولجان المقاومة سيوحد الخطى في سبيل معالجة أزمات كثيرة وبينها (أم المصائب) وهي الأزمة الاقتصادية الطاحنة ، مع أهمية تحقيق العدالة والسلام .
قوتكم في وحدتكم .. واقترابكم من نبض الشعب …
لندن – ٢٥ أغسطس ٢٠٢٠