من الواضح أن مكونات ما يسمى بحكومة “الوفاق الوطني” ليست على خطى ورؤية استراتيجية واحدة، فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، تجاه أزمة الخليج، وهذا في ذاته يؤكد أنها غير موحدة الهدف في شأن العلاقات الخارجية الكلية، إذ تفتقد إلى صفتي التناغم والانسجام.
تثبت ذلك التصريحات التي أدلى بها وزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور أحمد بلال، أثناء مشاركته في اجتماع وزراء الإعلام العرب في مصر، حيث أعاب على قناة الجزيرة استهدافها لمصر، من دون وضع الحساب أو التقدير لسياسة الحكومة التي يمثل هو أحد مكوناتها، أو أن يولي اعتباراً لما حددته بشأن موقف الحياد بشأن أزمة الخليج، والتي تعتبر مصر أحد أهم الدول ذات التأثير فيها، وهي تقف إلى جانب السعودية والامارات والبحرين ضد دولة قطر.
الموقف الحرج الذي وضع فيه وزير الإعلام السوداني حكومته يؤكد مدى التخبط والتقاطع السياسي داخل الحكومة السودانية الحاكمة الآن، وقد تسبب هذا الوزير في ترسيخ ذلك، من دون أن يولي اعتباراً لانعكاسات تصريحاته وتهديدها للأمن القومي للدولة، و تأثيراته على الحياة العامة التي تعاني في مجال الاقتصاد من أوضاع سلبية انعكست آثارها على المواطنين في كافة مطلوبات حياتهم المعيشية .. ولا ندري هل يعلم الوزير ذلك ؟!
حالة الاضطراب في السياسة الخارجية وعدم وحدة الهدف، تثبت عدم قدرة الدولة الى الآن على اتخاذ قرار واضح حيال ما صرح به وزير إعلامها لدى حضوره مؤتمر وزراء الاعلام العرب بالقاهرة، حيث خرج من الرؤية السياسية الواضحة لها تجاه أزمة الخليج.
الحكومة لم تصدر بياناً توضيحاً لموقفها السياسي، أو تصحيحاً او تأكيداً لما قام بهدمه وزير الاعلام بالقاهرة، باتهامه لقناة الجزيرة الإعلامية، و الأمر يتعدى ذلك الى عدم الاعتراف بحرية الرأي والاعلام، والتي تمثل أحد أسباب عدم رفع الحظر الاقتصادي الأميركي المفروض على السودان، وهذا يؤكد أن السياسة بأبعادها ومطلوباتها الداخلية والخارجية لا تتجزأ.
الغريب والمحزن في شأن الكارثة السياسية التي تسبب فيها وزير الاعلام السوداني أن يُترك أمر معالجتها لذات الوزير، الذي أصدر بياناً أحسب أنه لا يعالج عظيم السلبيات التي تسبب فيها، بقدر ما كان دوراناً حول كيفية معالجة مشكلته الخاصة مع قناة الجزيرة وتخدير الرأي العام الداخلي والخارجي تخفيفاً لما تسببت فيه تصريحاته، التي تؤكد أنه تجاهل مقتضيات السياسة المتوازنة والمطلوبة في مثل هذه الحالات، وإن كان يدرك انه تجاهل التوازن المطلوب ،وقال ما قال ليصبح التأويل هو مجال الحديث العام عن حقيقة السياسة التي تتبعها حكومته، أو تود أن تخطط السلطة لاتباعها تجاه الأزمة الخليجية .. فهل يعني ذلك أن هناك جديداً في السياسة تجاه أزمة الخليج، ويطل سؤال هنا أيضاً، هل يدرك وزير الإعلام ماهية دور “الناطق الرسمي باسم الحكومة”.
ما جرى يعكس أحد أخطاء تكوين حكومة “الوفاق الوطني”، والتي ستعاني كثيراً من الفشل في تحقيق أهدافها، ما يعني المزيد من المعاناة للسودان داخلياً وخارجياً، وهذا يحمل في الوقت نفسه رسالة فاضحة لسياسات الـ”لمؤتمر الوطني”( الحزب الحاكم) التي تركز على استقطاب أضعف الناس كفاءة، أومن ذوي الطموحات الشخصية، خوفاً من الأقوياء، أصحاب الكفاءة، وسيكون هذا الأسلوب الحكومي من أبرز أسباب انهيار وهدم الدولة السودانية.
الأمر الأخطر، والذي يُخشى منه أن يكون الذين أعنيهم يضعون مصالح الخارج قبل مصالح الوطن، كما حدث في أغرب حادثة وقعت قبل أيام، و تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ السياسي، و سوف تكون لها تأثيرات مستقبلية عميقة وخطيرة على الدولة السودانية، حيث يعيش السودان تداعياتها الآن. .
إن الذي بات يقلق المواطنين السودانيين هو الصمت الذي ظل يلازم سياسة الحكومة في الأحداث الكبرى، وهي تحرص على عدم اطلاع الشعب على حقيقة وأبعاد سياستها الوطنية تجاه أخطر القضايا والمستجدات، كما هو الحال بشأن قضية المدعو (طه).
في هذا الإطار نتساءل ما الذي يدفع وزير الاعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة للتصريح بما أعلنه، و من دون سماع رأي المسؤولين على المستويات الأعلى في ما قال، هذا ما يود أن يدركه الناس من سلطة ما كانت تتوانى في إعفاء من لا ترغب في أن يكون ضمن منظومتها، ومن دون أن تترك ذلك لاستدعاءات لجان “المجلس الوطني” الذي لا اعتبارية له.
وأحسب أن تصريحات الوزير بعد أن استجوابه بواسطة اللجنة الإعلامية للمجلس الوطني أمس غير موفقة أيضاً، ولكن هذا النهج غير مستغرب، فهناك وزراء أخطأوا ولم يقدموا إستقالاتهم، هذا هو نهج النظام القائم الآن، ونقول للوزير ماهي الحالة التي يمكن أن تقدم فيها إستقالتك؟
ختاماً أقول.. اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.. فألطف بهذا الوطن وشعبه مما هو فيه.. فأنت ولي ذلك والقادر عليه.. والسلام.
*الكاتب: فريق أول ركن، وكان عمل في مواقع قيادية عسكرية عدة بينها نائب رئيس الأركان للتوجيه والتدريب والناطق الرسمي السابق باسم القوات المسلحة السودانية