(قمة الفشل السياسي عندما تعتمد الدولة في نهضتها ورفاهية شعبها على دولة، أو مجموعة دول، دون إدراك لأبعاد العلاقات الدولية ومتطلبات النظام العالمي الجديد، فتفقد سيادتها وثوابتها الوطنية)
عشرون عاماً، من البؤس الوطني والشقاء الإنساني، تضاف الى ما سبقها من ثمان عجاف والوطن يحاصره قهر الدولة الداخلي، وينهكه، بل يقتله حظر العالم الخارجي ؛ حتى بات لا يقوي جسده المنهك على السير بقدميه، النحيفتين، الملتويتين، الحافيتين في أرض يكسوها شوك “الضريساء والحسكنيت”، الذي تمثل بذوره غذاءاً لأعداد كبيرة من مواطني بعض المناطق في بعض الأحيان في هذه الدولة (التي تفيض غنى وثراءا). من أعنيهم هنا يعتصرهم الفقر، ويهد قواهم الجوع ، وتعيش أعداد ليست بالقليلة منهم، كأشباه عراة ، تكسوهم قطع بالية، بسبب عدم امتلاكهم ما يشترون به ما يستر عوراتهم، ويقيهم حر الصيف وقارس الشتاء .
عشرون من السنين ويضاف اليها 8 أعوام من العمر الوطني، والشعب السوداني في حالة انتظار للوعد (الكاذب) الذي اعلنته “الإنقاذ” ( حكومة الرئيس عمر البشير) في بيانها رقم (1)، بأنها استولت على الحكم بقوة السلاح من أجل بناء سودان موحد، وقوي في القارة الافريقية والمنطقة العربية، للخروج بالسودان من دائرة مهددات الوحدة الوطنية ومستنقع التسول والتوصيف غير اللائق به ، من امثال (رجل افريقيا المريض) وغيرها، إلى حالة الفاعلية والتأثير، وتقديم نموذج سياسي يقتدي به العالم ، ويؤخذ بنهجه في الحكم وإدارة الدولة والعلاقات الدولية .
28 عاماً مرت، والشعب السوداني ينتظر النهضة الحديثة والتنمية والبناء الوطني، لكن السودان يعيش خدعة الوعد الكذوب ، الذي حوًل الوطن الواحد الى دولتين منفصلتين ، ليعطي نموذجا لأكبر واسوأ خطأ استراتيجي، وخلل سياسي ترتكبه سلطة بحق الوطن، في عالم تحتاج فيه الأوطان إلى تحقيق مصالح شعوبها ، وحماية الأمن القومي، وتحقيق السلام والاستقرار ، وقد عجزت السلطة عن تحقيق ذلك، وكذلك عجزت عن معالجة أسباب الحرب التي تديرها ضد مواطنيها، واحتواء مخططات التفكيك والتجزئة ومهددات بقاء الدولة السودانية، التي ما زالت تسير كما خطط لها الاعداء ، والمنفذون بالداخل يؤدون دورهم، بكل براعة، تنفيذاً لهذا المخط، الذي بتحقيقه تتم ازالة السودان من الخارطة الافريقية بأكمل وجه وباجتهاد .
لقد عاش الشعب السوداني الأمل، والوعد “الانقاذي”، التضليلي على مدى السنوات الماضية، لتكون النتيجة المخجلة أن يأتي السودان في صدارة قائمة الدول الفاشلة، وجاء هذا نتيجة طبيعية، لسياسة “عوجاء” وعرجاء واقصائية، امتدت لما يقارب الثلاثة عقود ، برعاية سلطة دكتاتورية ، وحكم متسلط، تحول وعده المنقوض، الذي بشًر بمحاربة الفساد، الى اخطبوط للفساد، استطاع ان يحرق الاخضر واليابس، حيث التلاعب والنهب لمال الشعب السوداني، ومقدراته، و لم تنج من ذلك – كما يتحدث الرأي العام – حتى منح الإغاثة، التي يدفع بها المجتمع الخارجي، لسد بعض من احتياجات متضرري الكوارث والفقراء، وغيرهم من جوعى السودان وفقرائه.
هناك “قصص الف ليلة وليلة” في هذ المجال، وهي قصص تطول وتؤلم ، ولم يبق أمام أنظار الناس الا الوعود الكاذبة بمحاربة الفساد ، ويكفي في هذا أن يتبوأ السودان موقعا متقدماً بين الدول الأكثر فساداً في العالم ، وهذا التقييم حددته منظمات عالمية ووفق معايير دولية معلومة، و لا يمكن القدح في نزاهتها ، وفيما تركز عدد من دول العالم على قيم و بمبادئ الشفافية والحكم الراشد، لتحقيق الرفاهية والسعادة للشعوب ، نجد ان الحكم السوداني يفتقد أساسيات ومطلوبات الحكم الراشد .
وبسبب هذا الوضع ، يأتي تصنيف الشعب السوداني في مقدمة شعوب العالم احباطاً وتعاسة، وهذا يعني أنه ويعيش في دولة لا تحترم المواطن للأسف ، كما تقدر وتحترم الدول المتحضرة شعوبها ، والمؤسف أيضا أن الحكومة تدعي أنها تحكم بالإسلام، عقيدة وشريعة ، والمعلوم أن الاسلام كرًم الانسان، وقال تعالي (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر البحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الاسراء. الآية (70)
والتكريم الرباني يعني هنا الاستحقاق الانساني الشامل لكل شؤون الحياة دون تجزئة ، لتكون الحريات والعيش الكريم والحياة الفاضلة في مقدمة ذلك ، وهذا ما سلبته سلطة المؤتمر الوطني( الحزب الحاكم) من الناس أجمعين، أي سلبتهم من حقوق المواطنة ، وفي الوقت نفسه تم تقديم الامتيازات لعلية القوم و منسوبي الحزب الحاكم ، والأقارب والبطانة، وبين هؤلاء القادة والمسؤولون، بالرغم من معاناة الحظر الاقتصادي الأميركي وتداعياته اللاإنسانية. .
قبل الحديث عن العشرين سنة المجدبة من عمر الحظر الاقتصادي الأميركي على الشعب السوداني أود أن أبين إحدى الخصال الغريبة في منهجية السلطة الحاكمة، منذ ان كانت تحمل اسم (ثورة الانقاذ الوطني) والى أن أصبحت (حكومة المؤتمر الوطني) الا وهي عدم الاكتراث او الأخذ بالرأي الآخر، حتى وان كان مقترحا مقدما من منسوبيها من غير أهل الحظوة والقربى والدوائر الضيقة، وحتى إن كان يحمل حلاً علمياً ناجعاً لإحدى معاضلها الكبيرة، التي لا تنتهي .
وتحضرني هنا دراسة متميزة قدمها أحد الضباط بشأن كيفية احتواء أخطار مهددات الحظر الجوي الاميركي على القوات المسلحة بمناطق العمليات قبل اتفاقية السلام الشامل 2005، و الذي لوحًت به الولايات المتحدة الأميركية، بهدف تمكين تحقيق التفوق لـ”الجيش الشعبي”(يعني جيش الحركة الشعبية) علبها.
اختفت تلك الدراسة دون أن يوجد لها أثر ، ولا شك أن آلاف الدراسات التي قدمت من علماء وخبراء قد لاقت نفس المصير، وذلك ما ادى إلى أن يصل مصير السودان الى هذه الحالة الخطيرة، التي هو عليها الان، فهل ما يحدث مخطط له أم أن هناك شيئاً غير ذلك، علماً بأن الطرف الأميركي يعتمد في قراراته وسياساته، نحو السودان بل كل العالم، على البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية، التي تعدها مراكز الدراسات الاستراتيجية والخبراء والعلماء، مع الرصد والتحليل ومراقبة التطور في المواقف سلباً وايجاباً، بهدف التعديل في القرارات والسياسات، وذلك مطلوب أن تؤسس له السلطة الحاكمة ( في السودان) ولو من باب التقليد ، وبما يساعدها على تفاديا لاتخاذ القرارات المتعجلة وغير المدروسة، وكي تتجاوز الاخطاء والقرارات السالبة، بمتابعة متغيرات الأحداث وتبدل المواقف ، مع اتباع المؤسسية.. ليتها تفعل.
أعود إلى موضوع الحظر الاقتصادي الأميركي الذي ظلت أميركا (التي دنا عذابها) (شعار كان يتغنى به مؤيدو حكومة الرئيس عمر البشير) تحارب وتعذب به السودان منذ عشرين عاما ،حتى انهكت قادته نفسياً وأذاقت شعبه كثيراً من ضيم الدنيا، من دون أن يرتكب جريمة يحاسب عليها ..
اقول بدءا إن سلطة الدولة الحاكمة قد عجزت تماما وسد أمامها الأفق، لأمر ما ولعله قضاء رباني، في أن تجد حلاً او مخرجاً او طريقاً تتجاوز به هذه العقدة، بل الكارثة التي أحاطت بالشعب قبل الدولة ، بالرغم من أن الحل الوطني كان سهلاً، والطريق ممهد، اذا فتحت سلطة الحزب الحاكم آذانها ، وأعينها، وقرأ عقلها وأستوعب مطلوبات النظام الدولي الجديد وعصر الهيمنة، وكيفية بناء علاقات مع الواقع الدولي الراهن ، وإذا أدار الحاكم شئون السياسة الداخلية ، والعلاقات الخارجية برؤى علمية، واقعية ،وعقلانية بعيداً عن العنتريات التي لم تقتل ذبابة.
أعود للنظام العالمي وعصر الهيمنة الامريكية وأقول إن مطلوباته التي مارس عبرها الحظر الاقتصادي ضد السودان، لم تخرج عن الآتي، وإن تبدلت المسميات، و حتي قرار الرئيس الامريكي السابق اوباما برفع الحظر الاقتصادي الجزئي مع مراقبة التنفيذ لستة أشهر اخرى ، والصادر في شهر يناير 2017 :
* أولاً: حددت الولايات المتحدة الأميركية (الديمقراطية الراشدة) كعامل رئيس لتأسيس علاقتها مع العالم، وخاصة دول القارة الافريقية ، مع مراقبتها بكل ما تملك من مؤسسات دبلوماسية وعلمية وأمنية وإعلامية ووسائل عولمة ، مع اعتبار الحصار والحظر الاقتصاديين أهم عاملين عقابيين، لمن لا يطبق النهج الديمقراطي، تحقيقا لمبدأ الشراكة الجماعية في الحكم ، مع زيادة الضغط على من يرفع راية العناد والتحدي من الدول، ويرفض تطبيق الديمقراطية، عبر منع كل المؤسسات المالية العالمية من التعامل معها ، وبذلك كان موقفها واضحاً حيال السودان، الذي تحكمه سلطة استولت على الحكم بانقلاب، بقوة السلاح ، فالنظام لم يهتم بهذا المعيار الأميركي ، بل سار راقصاً على” أنغام ” (الطاغية الأمريكان ليكم تدربنا .. ليكم تسلحنا ؟!) وسار النظام على طريق بناء أخطر دولة دكتاتورية أمنية شهدتها القارة الافريقية، متحدياً النظام العالمي والهيمنة الأميركية ، لتكون النتيجة التي نعيشها الآن، وهي انهيار نفسي لا تحدثه الا ما يسمى بمعارك التاريخ (الفاصلة) التي تنهار فيها الجيوش، وتؤدي للهزيمة الوطنية الكاملة، للسلطة والشعب.
النظام لم يستوعب النظام الدرس ، إذ خطط وأتبع (استراتيجية التمكين الكبرى) ووسيلتها (الدولة العميقة) التي لم تغفلها دراسة المؤسسات الأميركية ، حيث أكدت أن تلك الصفة تميز حكومة “المؤتمر الوطني” التي تحكم السودان الآن. ونضيف إلى ذلك أن عدم توافر الديمقراطية يعني أن الشعب يفقد الحرية ، التي يبرهن على غيابها منع أو ايقاف النشر الصحافي حول قضايا عامة ، واعتقال السياسيين واصحاب الرأي والزج بهم في زنزانات النظام، وفي حالات عدة لا تُعرف اماكن اعتقالهم حتى لذويهم .
* ثانياً: أصبحت (حقوق الانسان) أحد أهم أساسيات السياسة الأميركية ، وسجل هذه الحقوق في السودان والموصوف بالسوء لا يحتاج لكثير عناء لبيانه أو اثبات وقائعه ، اذ نجد أن منظمات حقوق الانسان، والتي على رأسها منظمة العفو الدولية ظلت وعلى مدي حكم “الإنقاذ” ترصد وتعلن وتكتب التقارير، منبهة العالم إلى ما تعانيه هذه الحقوق من قبل السلطة الحاكمة ، التي فشلت حتى في تنفيذ ما حددته بنفسها في وثيقة الحقوق التي جاءت تفصيلا في دستور السودان الانتقالي لسنة 2005، ودرجت وفود السلطة تغدو وتروح بين الخرطوم وجنيف دون أن تحقق كسباً في هذا السجل يُقنع المنظمة الأممية .
ومن المستحيل هنا ألا يتم ذكر “بيوت الاشباح “التي قال فيها ما قال الكاتب فتحي الضو في كتابه (بيت العنكبوت) الذي فضح فيه بالوثائق منهجية النظام بشأن انتهاك حقوق الانسان، وان كنت هنا لا احتاج لشاهد وبيان ، اذ مارس نظام “الإنقاذ” ، أو حكومة “المؤتمرالوطني” التعذيب بحق أبنائنا، الذين من اصلابنا، نتيجة لاختلاف الرأي عند عهد المدعو صلاح (قوش) ( مدير المخابرات السابق)، والمحزن في ذلك أنه كان يجاورني سكناً ، ولم يحدثه ضميره الغائب حتى بإبلاغي، الا عندما سألته بأن ابني(X) مختف منذ الأمس ووقتها كان (X) في معتقلات التعذيب ، وتؤكد هذه الحادثة مستوى ونوع “القيم” التي تتعامل بها السلطة الحاكمة .
اختم حديثي عن حقوق الانسان، التي أصبحت سبة للسلطة الحاكمة بقوة السلاح وليس بقوة القانون، مؤكداً أن هذا السجل لن يقفل مادام الحكم دكتاتوري ، والحرب التي يُصر على دوران ماكينتها قائمة ، اللهم إلا اذا تنازلت أميركا عن القيم التي تدعو اليها، في سبيل تحقيق مصالحها وأهدافها الاستراتيجية التي تأكدت أن النظام سيحققها لها من أجل أن ترفع عنه الحظر الاقتصادي مع البقاء في الحكم ، وهو أمر وارد .
* ثالثاً: اعتمد النظام العالمي الجديد بقيادة أميركا (حق تقرير المصير) باعتباره حقاً أصيلاً للشعوب المضطهدة بواسطة دولها ، او للمجموعات العرقية الصغيرة التي تعيش حالة من عدم الاعتراف بوجودها ، وتشكو من سوء ادارة الدولة التي تقطن فيها، او يتلق الأمر بمن اضطرتهم حالة التفرقة الثقافية والتمييز السلبي الى التمرد على الوطن الام من أجل تقرير مصيرهم ، باي صورة وشكل من اشكال الحكم حتى ولو كان انفصالا .
ما تم الاشارة اليه يعكسه واقع انفصال جنوب السودان، وفي ضوء هذا كله يجب على السلطة الحاكمة أن تضع في صدارة أولوياتها، السعي الجاد والحقيقي لانفاذ المطلوبات الأميركية، من خلال جهد قومي محسوس، للخروج من دائرة احتكار “المؤتمر الوطني” لقضية الحرب والسلام، وفي سبيل التوجه نحو سلام حقيقي مع الحركات التي تحمل السلاح ، والا فأن الأنباء لن تأتي بخير، وإن خطة تفكيك السودان الآن بيد مؤسسات القرار الأميركي ، وينتظرها الداعمون لتقسيم السودان لاحتضان أي حالات انفصال قادمة ، و وحتى لا يحدث ذلك يجب العمل لدعم فرص رفع الحظر الاقتصادي الأميركي والحفاظ على وحدة الدولة السودانية .
* رابعاً: يركز النظام العالمي الجديد على مفهوم (العمل الجماعي الدولي) ، والذي دفعت به أميركا لتحقيق سياستها التحكمية في الشأن الدولي من خلال جعل منظمات العمل الطوعي مسئوولة عن كافة شؤون الاغاثة كأجسام بديلة عن الحكومات الوطنية لأداء هذه المهمة ، ومعلوم ان للسلطة السودانية منهجا واسلوبا غير سليمين في تعاملها مع تلك المنظمات ، حيث مارست الطرد ومصادرة الممتلكات .
وعندما تضع أميركا شرط ايصال الاغاثة للمواطنين بمناطق التمرد ، فهي تعني بوضوح أن يتم السماح بعمل منظمات الاغاثة من دون عوائق حكومية. في حين تري الحكومة السودانية أن هذه المنظمات ووفقا للتجارب ظلت تدعم الحركات المسلحة بمواد تموين للقتال ولتجاوز هذه العقبة على الحكومة ان تسعى إلى إبرام اتفاق مع أميركا، لتكوين جسم مشترك بينهما والحركات المسلحة وتحت اشراف أممي ، لمراقبة اداء هذه المنظمات ، أو ان تتجاوز هذه العقبة من خلال عمل جاد لتحقيق السلام ، وإلا سوف يحدث ما هو أخطر .
استمرار الحرب يفتح أبواب الحديث والسعي لتقرير المصير، وهذا يمثل أسوأ الحلول وأخطرها .. فهل يتم استيعاب الرسالة للعمل نحو رفع الحظر الاقتصادي الأميركي . ولا ننسى هنا الإشارة إلى أن استمرار التعامل الحكومي الحالي يخلق تعقيدات يواجهها السودان الآن بشأن كيفية تحقيق مطلوبات الانضمام لـ (منظمة التجارة العالمية) التي تعتبرها أميركا أحد أكبر وأهم منظمات العمل الجماعي الدولي، والتي فشلت السلطة الحاكمة حتى الان في تحقيق مطلوبات الانضمام اليها، واذا اكتملت فستواجه بالفيتو الأميركي كحجر عثرة أمام الانضمام للمنظمة .
هذه الحال تنطبق أيضاً على التخطيط في مجال الجودة الشاملة التي تتطلبها كل الاعمال، خاصة في المجال الزراعي والحيواني، والصناعي ، والتجاري، لتحقيق التنافس العالمي، وهذا غير موجود بالرغم من وفرة المنتجات ، واقول ان مرد هذا يعود لصفة الفشل التي اصبحت لوحة مكتوبة في وجه كل ما هو سوداني .
* خامساً: هذه بعض مطلوبات النظام الدولي أي (العولمة) التي يمكن أن نطلق عليها (النظام الامريكي) بدون تردد ، وكان يجب علي السلطة “الانقاذية” في اطار الواقع والمطلوبات أن تضع من سياسة واعية وعقلانية وترك سياسة المواجهة التي يمكن أطلق عليها سياسة (الصراع بين الأسد والقط) التي أوردت القط مورد الهلاك ، كما هو حال السودان الذي يعيش حالة ضعف كلي، خلاصته تكمن في انهيار اقتصادي .
بالنظر لما ذكرت من مطلوبات النظام الدولي في رؤيته لعالم اليوم ، نجد أنها لا تختلف أو تتعارض مع المطلوبات الأميركية التي تم تحديدها ليتم تنفيذها بواسطة الحكومة السودانية ، التي تعلمها قبل بدء الحظر الأميركي في العام 1997. ووقتها كانت الحرب في جنوب السودان في أشدها، حيث كانت حرب (الامطار الغزيرة) التي شاركت فيها أميركا ودول الجوار الجنوبي مع “الحركة الشعبية” التي كانت ترفع شعار (السودان العلماني) وقد حفًز ذلك أميركا لتساند “الحركة الشعبية” في انفصال الجنوب، لتأسيس دولة علمانية، تكون حائط صد، يوقف المد الاسلامي جنوباً، لكن واشنطن أصيبت بخيبة أمل بما آلت اليه دولة الجنوب بعد الانفصال، حيث الفشل والحرب الضروس بين مكوناتها السياسية والقبلية، الا انها ستظل تبحث عن طرائق ووسائل لتحقيق استقرار الجنوب، خصوصاً أن السودان يعتبر الدولة الأكثر تأثيراً في عدم استقرار الجنوب من خلال دعمه المعارضين الجنوبيين .
الفعل نفسه تقوم به دولة جنوب السودان من خلال دعمها وايوائها للمعارضين السودانيين ، و على السلطة في الخرطوم أن تتخذ سياسات تلبي المطلب الأميركي الخاص بالإسهام في احلال السلام في جنوب السودان، لتؤكد جديتها ، وهو ما يتطلب العمل على تحسن العلاقات بين الدولتين. ختاماً لابد من طرح بعض الاسئلة المحورية في اطار تأثيرات الحظر الاقتصادي الأميركي على السودان، حيث بات السودان يبحث عن الوسطاء لاحتواء مشاكله مع أميركا ، ولفك أسره من القيود الكثيرة التي أضعفته كدولة وانهكت شعبه ، بل باتت مهددة لبقائه موحداً.
أتساءل: لماذا ظلت السلطة في الخرطوم تنتظرعشرين عاما، وهي تقف أمام الباب الامريكي بانتظار ة الفرج الاقتصادي والسودان يعتبر من أغنى دول العالم وأكثرها ثراءا بموارده الطبيعية ، التي إن استخرجت واستغلت لكفته ذل الحاجة وعاش شعبه الرفاهية ، في حين نجد أن أكثر الدول تطورا في هذا العالم هي الدول التي دمرتها الحروب ، وعاشت الحصار .؟
و هل سيأتي فك الحظر الأميركي بالنعيم المفقود لبناء لدولة حديثة متطورة وناهضة ؟ وبماذا سيتم شراء التقنية الأميركية والمعدات المتطورة المطلوبة فيكل المجالات التنموية والتعليمية وغيرها، لأن رفع الحظر الاقتصادي لا يعني نثر الدولار على رؤوسنا ونحن نرقص كما يفعل اثرياء بعض الدول؟
لا اود أن أحدد الإجابة، لكنني أطلب منكم أعادة قراءة عنوان المقال .
كان الله في عونك ياوطن ..
*الكاتب: فريق أول ركن، وكان عمل في مواقع قيادية عسكرية عدة بينها نائب رئيس الأركان للتوجيه والتدريب والناطق الرسمي السابق باسم القوات المسلحة السودانية