الخرطوم – التحرير:
حذر الناطق الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل محمد ضياء الدين من خطورة التمادي في التساهل مع النوايا الأميركية تجاه التدخل في شؤون البلاد، وقطع ضياء في حوار مع (التحرير) أن الاستراتيجية الأميركية تهدف إلى تأطير القوى السياسية في البلاد حكومة ومعارضة من أجل خدمة مصالحها في المنطقة؛ مؤكداً أن مخطط تقسيم جديد تشهده المنطقة العربية على أساس عرقي وطائفي بدأ بالسودان ممثلاً في انفصال الجنوب، وتتبلور ملامحه في العراق وسورية الآن، هذا وتطرق الحوار مع الناطق باسم حزب البعث إلى عدد من القضايا.
* لماذا تتهمون أميركا باستهدافكم دون القوى السياسية الأخرى في المنطقة؟
– حزب البعث العربي الاشتراكي كما هو معروف قومي عربي تقدمي يهدف إلى الوحدة العربية، ويناضل من أجل مجتمع عربي ديمقراطي اشتراكي موحد، هذه الرؤية الأيديولوجية انعكست على الواقع التنظيمي على مستوى الهيكل التنظيمي ابتداءً من القيادة القومية، مروراً بقيادات الأقطار، وانتهاءً بالمنظومات القطرية التي تعنى بوضع استراتيجية العمل الوطني في كل قطر من الأقطار؛ و تعرض حزب البعث العربي الاشتراكي إلى كثير من المؤامرات التي أعاقت مسيرته، ومرت بمحطات عدة انتهت بالأحداث المؤسفة في 2003م عندما تدخلت الولايات المتحدة الأميركية، وكثير من المنظومات الدولية لإسقاط تجربة حزب البعث العربي في العراق، وسلمت البلاد إلى قوى رجعية وانتهازية تخدم مصالح أميركا وايران، وكان الغرض الرئيس إذلال حزب البعث الذي قدم أكثر من 250 ألف شهيد، وآلاف المعتقلين، وأكثر من مليونين من البعثيين وسرهم جرى تشريدهم خارج البلاد، وانعكس هذا الواقع على مجمل تطورات أحزابنا في المنطقة العربية، وواجهت بعض أحزاب البعث بعد ذلك ضغوطاً من أقطار عربية بإيعاز من الولايات المتحدة الأميركية، كل هذا في إطار اجتثاث حزب البعث العربي من المنطقة.
* لماذا اجتثاث حزب البعث وحده؟
– لأنه حزب تحرري يناهض الاستعمار، ويدعو إلى وحدة الأمة العربية، ويناضل من أجل مجتمع اشتراكي ديمقراطي موحد، هذه التوجهات جعلت من العراق محطة إشعاع في المنطقة من خلال التنمية العلمية والمعرفية التي حدثت فيه؛ علاوة على الدور الإقليمي الذي كان يضطلع به، لذا كان هدف الولايات المتحدة الأميركية من أجل السيطرة على المنطقة ضرب هذه التجربة حتى لا تنتقل إلى دول أخرى.
* كيف تنظرون إلى العلاقات بين الولايات المتحدة والسودان الآن؟
– الملفات الأمنية ما بين أميركا والحكومة قديمة، وحزب البعث العربي تعرض لكثير من محاولات التضييق على خلفية هذه العلاقة، بدأت باعتقال عدد كبير من الضباط في حركة 28رمضان، ومصادرة ممتلكاته التي لم تعاد إليه حتى الآن، وربما نكون نحن الحزب الوحيد الذي لم يُعاد اعضاؤه الذين فصلوا من الخدمة للصالح العام، ولم تعاد له ممتلكاته التي صودرت؛ مع العلم أن ممتلكات حزب البعث العربي المصادرة هي الأكبر قيمة مقارنة بما تمت مصادرته من الاحزاب الأخرى.
* كم تقدر ممتلكات حزب البعث المصادرة؟
– في ذلك الوقت مطبعة النيلين فقط كانت تقدر بـنحو 6 ملايين دولار.
*من الواضح في الآونة الأخيرة أن هنالك تبايناً في الشارع العربي لقبول فكر البعث العربي.. بماذا تعزي هذا؟
– الأميركيون سعوا إلى تدمير فكر البعث العربي، وعملوا على تقسيم الأمة العربية من خلال التدخلات التي أجهضت الانتفاضة الشعبية العربية في تونس وسورية ومصر واليمن وغيرها، وهذا هو المخطط الأميركي الذي ما كان ليتم من دون احتلال العراق؛ وهو ما مهد الطريق للولايات المتحدة الأميركية لتقوم بدورها الذي تؤديه الآن في ليبيا وسورية واليمن.
* لكن هناك من يعتقد أن حكومة البعث في العراق لم تكن مثالية، وهنالك مظالم كبيرة ارتكبتها في حق بعض الأقليات؟
– حتى ولو كانت هنالك مظالم في العراق من حزب البعث فهذا شأن داخلي يخص شعب العراق، ولا يعني أن الولايات المتحدة الأميركية تنصب نفسها (الفا) للعالم لتتدخل وتتصدى للأنظمة التي تتعارض مواقفها مع شعوبها، وأميركا ليست حامية الديمقراطية، وإنما تقوم بالاتفاق مع التنظيمات التي تتقاطع مصالحها معها، والدليل على ذلك أنها تتعامل مع أنظمة دكتاتورية وأنظمة رجعية في العالم، لذلك عندما تدخلت أميركا في العراق لم تتدخل لمصلحة الشعب العراقي. ونظام صدام حسين لم يسقطه الشعب العراقي، وانما أسقطه الاحتلال الأميركي الذي أعدم صدام حسين، وقتل وشرد الملايين من الناس.
* تجربة البعث في السودان لم تكن بمستوى الدعم الذي تلقاه التنظيم.. لماذا برأيكم؟
– بكل تأكيد الآن يعيش حزب البعث تجربة عميقة في السودان، ولديه وجود فاعل وقوي رغم أن البعث لم يشهد فجراً ديمقراطياً يستطيع من خلاله أن يبني تنظيماً قوياً متماسكاً. والفترة الديمقراطية التي عمل فيها البعث بدون ملاحقات أمنية كانت فترة ما بعد انتفاضة ابريل 1985 وهي فترة 4 سنوات فقط لهذا فإن تجربة حزب البعث في السودان كانت تجربة نضال ضد الانظمة الدكتاتورية، ولهذا أقول إن البعثيين لم تتح لهم الفرصة الحقيقية لكي يمارسوا حقهم السياسي والعقائدي، ورغم هذا استطاعوا بناء كيانات تنظيمية على مستوى الأحياء والطلاب.
* حزب البعث في السودان لم يسلم أيضاً من ظاهرة الانشقاقات .. هل هي نتاج تدخل خارجي أيضاً؟
– الانشقاقات حدثت لأسباب عدة، منها ما هو ذاتي، ومنها ما هو موضوعي، وفي ظل الأنظمة الدكتاتورية لا تتاح للأحزاب السياسية فرص عميقة لإحداث معالجات داخلية، أيضاً خلال الفترات التي حدثت فيها الانشقاقات داخل أحزابنا السياسية كان هنالك حراك ومسار تحول كبير دراماتيكي في المشهد العالمي خلقت التباساً لدى الذين انتموا إلى حزب البعث وغيره من الأحزاب، وأدت إلى خلق مواقف جديدة، والدليل على ذلك أن بعض الذين خرجوا من حزب البعث كونوا حزباً اسموه البعث من دون أن تكون له أي علاقة بمفهوم البعث العربي الاشتراكي، وإنما تم تدجين فكرة البعث لتصب في فكرة سودانية خالصة ومن ثم، أصبحت لا بعثية .
* برأيكم لماذا لم ترفع العقوبات الأميركية عن السودان رغم ما قدمته الحكومة من تنازلات؟
– نحن على ثقة أن الإدارة الأميركية لن ترفع عن كاهل الشعب السودان، ولا أقول النظام؛ لأن هذا يجعل أميركا قادرة على الضغط على النظام والقوى السياسية المعارضة، واستراتيجية أميركا في السودان في الوقت الراهن تقوم بالضغط على أطراف اللعبة السياسة كلها معارضة وحكومة للقبول بتحقيق تسوية سياسية تخدم أجندتها في المنطقة، وهي الهيمنة على قدرات ومصادر الشعوب وإخضاع المنطقة للإرادة الأميركية.
* تتحدثون عن الهيمنة الأميركية والتقسيم.. هل لديكم معلومات عن تقسيم المنطقة؟
– بدأ التقسيم من السودان، والآن هنالك محاولات جادة لتقسيم العراق وسورية واليمن في إطار خطة التقسيم التي تنسجم مع الرؤية الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهذا وفق المنظور الأميركي يحتاج إلى مزيد من الدفع حتى تسهل السيطرة عليها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بعد تقسيمها، وملامح التقسيم أصبحت واضحة.
في العراق هنالك خريطة لتقسيمه شمال وجنوب على أساس طائفي، وكذلك في سورية واليمن، وفي السودان أيضا هنالك محاولات جادة لتقسيم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان هذا بعد فصل الجنوب.
وهذه الخطوات أضحت واضحة لذا نبهنا أصدقاءنا في المعارضة بمخاطر الحراك الأميركي في الشأن السوداني، وكل محاولات التدخل الاجنبي تحت مسمى المجتمع الدولي عبر التوكيل الممنوح لثامبو امبيكي؛ لذا فإن مخاطر أميركا على السودان تكمن في رغبتها في السيطرة لمصلحتها الخاصة، وهذا واضح جلي أيضاً من مواقفها في ازمة الخليج الحالية بين قطر ودول المقاطعة فهي الوحيد المستفيد.
* الحركة الشعبية فصيل مهم في المعارضة.. ما رؤيتكم لحل خلافاتها الداخلية؟
– نحن في البعث العربي ليست لدينا علاقة جيدة مع الحركة الشعبية لنؤدي دور الوسيط في الأزمة داخلها. المقربون من الحركة في القوى السياسية قاموا بهذا الدور، إلا أنهم فشلوا في إعادة اللحمة لطرفي الصراع. وفي تقديرنا أن هذا الصراع له تأثيره في الحركة الشعبية نفسها؛ لأن الصراع ما بين القادة العسكريين والساسة، وهو يعود الى التكوين القبلي للحركة الشعبية، وهذا يدلل على أن كل ما يسمى بالسودان الجديد الذي بدأت تجربته في جنوب السودان من صراع قبلي، وتكرر مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بمواقف مجلس تحرير أبناء النوبة الأخير يبرهن أن البنية التي تقود الحراك قائمة على القبلية، على عكس ما تروج له الحركة في أدبياتها. وعلى جماعات الحركة الشعبية أن تراجع هذه المفاهيم في إطار الصراع الثقافي الذي تعاني منه الحركة، وأفضى إلى تنامي النزعة القبلية الحاضن الأساسي.
* كيف تنظرون إلى الاستقرار الأمني في دارفور.. وهل تعتقدون أن خروج قوات اليوناميد في هذا التوقيت خطوة موفقة؟
– الأمن في دارفور لم يستتب بعد، لكن من الواضح أن القوات الحكومية أحرزت تقدماً على حساب الحركات المسلحة مؤخراً، لكن في تقديرنا أن الحرب لن تنتهي ما لم تنته مسبباتها، وهي حرب غير نظامية، ومن ثم، تستطيع الحركات أن تلملم أطرافها مرة أخرى، لكن سحب قوات الأمم المتحدة يأتي في إطار إجراءات خاصة بالأمم المتحدة، لكن الواقع في دارفور يجعل الحرب مستمرة، وبالتالي وجود القوات مهم، والأهم في تقديري أن نتساءل: إلى أي مدى كان دور هذه القوات فاعلاً في منع الاحتكاكات بين الأطراف المتقاتلة؟ وإلى مدى استطاعت تلك القوات حماية المواطنين؟ في تقديري هذا لم يحدث، ومن ثم، هذه القوات دورها كان سياسياً أكثر من كونه أمنياً، بمعنى أوضح أنها لم تقم بالدور المطلوب في حماية المواطنين أو منع النزاع بين الحكومة والحركات.
*كيف تنظرون للحالة الصحية بالبلاد وما مدى صحة انتشار وباء الكوليرا الذي نفته الحكومة؟
– من دون تسييس للأمر، المختصون يؤكدون أن الحالة الوبائية هي الكوليرا، وقد أسهمنا بدورنا مع بقية قوى المعارضة في رفع الوعي المواطن في كيفية تفادي الإصابة بالمرض، مع أن هذا النظام اعتقل عدداً من الناشطين لمجرد التوعية بمكافحة المرض، وأعتقد أن هذا خطأ كبير يقع فيه المؤتمر الوطني، فلا يعقل أن يعلو الموقف السياسي على صحة المواطن بعدم الإعلان عن الوباء الذي لو حدث ربما كان قد دفع بعض المنظمات للتدخل، والعمل على مكافحة الوباء، وهذا لم يحدث.
* اتهمت في تصريحات صحافية قوى “نداء السودان” بأنها تسعى من خلال الحوار إلى المشاركة في الحكم، ولكنها لم تدخل الحوار ما تبريركم؟
– قوى نداء السودان لم تطلب المشاركة، لكن الاشكالية التي قصمت ظهر البعير ما بين قوى الاجماع ونداء السودان هي قبول نداء السودان الحوار عبر خريطة الطريق؛ وفقا للآلية الإفريقية والقرار الأممي 539 و456، وفي تقديرنا أن خريطة الطريق ستؤدي إلى حوار مع النظام يقود إلى تسوية كما حدث في حوار الوثبة، هذه هي نقاط تباين الرؤى مع نداء السودان.
وفي البيان الأخير لقوى نداء السودان أكدت تمسكها بالقرارات الأممية التي أسست خريطة الطريق، وأعتقد أنه بعد حوار الوثبة وما ترتب عليه من تشكيل للحكومة بشكلها الحالي كان من الأجدى لنداء السودان أن يعلن ألا حوار مع النظام، وربما تكون رغبتها هي إسقاط النظام، ولكن في تقديرنا أن مسألة إسقاط النظام تبدأ بألا حوار معه، وذلك حتى تتبلور الرؤية، وتتوحد الآليات، ونستطيع توحيد كل قوى المعارضة الوطنية في جسم واحد يعمل وفق أساليب العمل السلمي الديمقراطي، وأن يكون الخيار فقط إسقاط النظام.