توهمت انني قد نسيت الكتابة يعد إانقطاع دام لسنوات… و توهمت أن عبق الكلمات يحتاج إلى رائحة المكان… والمكان هو ذاته الذي واصلت فيه رحلتي الصحفية فى أرض قطر الطيبة منذ نحو أربعين عاما… وها أنذا أعود لأبدأ من جديد.
رحيق السنوات الماضية ما زال عالقا فى فمي و فى مساماتي… و بحثت عبر أوراقي القديمة وأكتشفت أنني سكبت حبرا كثيرا على الأوراق، وتحدثت عن حقائق و أفكار ورؤى، كما أنني سجلت رحلات صحفية عديدة عبر العالم، وتعلمت من مدرسة الراية الكثير وأنا أدين لها بأزهى سنوات عمري فمنذ أن كنت شابا يافغا وقلقا، ومتدفقا نشاط وحيوية إلى أن علا الشيب أعلى الرأس وتساقطت السنوات من بين أيدينا مثلما يتساقط الرطب من أعلى أشجار النخيل.. كانت ومازالت الراية شجرة باسقه تطل كل صباح على قرائها برؤى جديدة ودماء شابة وتوهج أتمنى أن لا ينطفئ وأن يبقى ويظل مرآة لواقع جديد يرصد مسيرة قطر الخير في جميع المجالات، وحائطا يتصدى لكل السهام الصدئة وافتراءات المرجفين والخائفين والمذعورين من ظلالهم. خلف الأوراق القديمة والسنوات المديدة اكتشفت أن عطر الكلمة لا يضيع وأن توهجها لا ينطفئ، وأن الذين تابعوا حروفنا مازالوا يذكرون ذلك الفتى أسمر الخطى الذي يدب في أروقة الراية تحيطه محبة الآخرين ووفاؤهم لهذا الصرح العظيم الذي تعاقب عليه رجال أكفاء في مختلف المواقع، فكانوا عطاء ثرا وإرادة لا تلين و تطلع إلى مرام وآفاق بعيدة فى التنوير والاستنارة.
أشهد أنني تعلمت الكثير في مدرسة الراية وهي الخيمة الخضراء التي استظل بها الكثيرون وقدمت لقطر الخير والمحبة العديد من الأسماء التي تلألأت فى سماء الإعلام القطري. أعود وقد جرت مياه كثيرة أسفل الجسور، فالدوحة لم تعد الدوحة التي عرفناها مطلع الثمانينات من القرن الماضي، ازدادت بهاء و توهجا بفضل إرادة الرجال الصادقين والقادرين على أن يقرنوا الفعل بالإرادة، فولدت دوحة جديدة يظلها البهاء و النقاء والإرادة، تغيرت الوجوه في مختلف المواقع وظل الرحيق الفواح يضئ المكان ويعطر الأجواء. في أول مقال بعد العودة ماذا يمكن أن أقول، ومن أين يمكن أن أبدأ، فإيقاع الحياة متواصل باندفاعة واثقة رغم التحديات ورغم كل الظروف القاهرة، وتبقى الإرادة هي العنوان. عالمنا على اتساعه يشهد العديد من التحديات والصعوبات والمشاكل… وفى كل صباح نصحو على عناوين جديدة وأحداث كبيرة لكن إرادة الإنسان لا تنكسر ورغبته الصادقة والأبدية في التطور والارتقاء لا تحدها حدود…شكرا للذين دفعوني للعودة إلى بلاط صاحبة الجلالة بعد أن تقاعدت عن معانقة الحروف، فلهم الشكر والعرفان…….. وأتمنى أن تكون إطلالتي هذه إضافة جديدة ـ قديمة للراية الرائدة أبدا.