كتابة في محبة الوطن

كتابة في محبة الوطن
  • 22 فبراير 2025
  • لا توجد تعليقات

فيصل محمد صالح

أيوب إسماعيل أيوب زميل دراسة بالجامعة، كان شابا ممتلئا بالطموح وبالرغبة في الكتابة، حين كنا طلابا ندرس الإعلام ونتلمس خطى الكتابة في مصر، كان مصرا على اقتحام حصونها العريقة، بدأنا الكتابة سويا بمجلة الثقافي التي كان يشرف عليها الأستاذ المرحوم محمد سعيد معروف المستشار الثقافي بالسفارة، وضمت ثلة ممن امتهنوا الصحافة من بعد أو احتكوا بها، عثمان ميرغني وراشد عبد الرحيم وصلاح حبيب والدكتور كمال حنفي وآخرين، لكنه تجاوزنا حين قفز للكتابة بمجلة الوادي التي كانت تصدر عن شراكة بين داري الصحافة وروز اليوسف.
وأذكر أنه قد كتب في تلك المرحلة المبكرة مقالا تحت عنوان \”التراث النوبي: حلفا الجديدة\” دعا فيه أبناء المنطقة لوقف التباكي على حلفا الغريقة والاتجاه نحو تعمير الوطن الجديد وما تبقى من الوطن القديم.
لكن بعد التخرج انزوى أيوب بعيدا عن عالم الصحافة، وخاض في سوق الله أكبر حتى ظننا أن هذا السوق قد ابتلعه وبعد بالتالي عن اهتمامه بالكتابة. غرق في الحياة في حلفا القديمة، عاش بين أهله وفي دياره القديمة نفسها مع من عاند الزمن والحكومة وقرار التهجير واحتمى بالجبل، رغم صعوبة ووعورة الحياة. عمل أيوب بالزراعة والتجارة وكل ما يمكن عمله. لكنه فعل كل ذلك بذاكرة الكاتب والباحث المدقق التي تختزن كل شيء وتحله وتربطه ببعضه البعض إلى حين كتابته.
ظهر أيوب قبل عام ويزيد وهو يحمل في يده ثلاثة كتب مرة واحدة، هي حصيلة جهده الأول: \”حلفا تلاطم الأمواج وهطول المطر\”، \”تهجير أهالي حلفا: مشاهد ومواقف\”، وأخيرا \”التهجير ونتائج التجربة\”. كانت تلك كتب توثيقية بامتياز، لم يكتف فيها الكاتب بالمراجع المكتوبة، لكنه جال في القرى والبيوت ليجمع التجربة من أفواه الناس، ومن خلال المعايشة والاحتكاك.
ثم هاهو يعود بعد فترة قصيرة يحمل مرة أخرى ثلاثة كتب دفعة واحدة، وكأنه يصر على أن يكون رجل الثلاثيات. الكتاب الأول \”النوبي والنهر\” وهو رصد وتوثيق لعلاقة الإنسان النوبي بالنهر، ثم \”المهدية وبلاد النوبة\” وهو كتاب أتوقع أن يثير ضجة كبيرة بما حمله من معلومات وروايات، وأخيرا الكتاب الذي يجسد مشروعه النهائي \”الفردوس الموعود\” وهو كما يقول عنوانه الفرعي محاولة الوصول للمحطة النهائية. والكتاب لا يحمل مجرد فكرة عودة توطين أهالي حلفا المهجرين حول المناطق الجديدة التي نشأت على ضفاف بحيرة النوبة، لكنه يحوي مشروعا مفصلا ومسنودا بالرسوم التوضيحية والتفاصيل والأرقام والمشروعات. وهي الكتب التي تشرفنا في مؤسسة \”طيبة برس\” باستضافة حفل تقديمها.
هذا جهد تقوم به المؤسسات لا الأفراد، لكن أيوب إسماعيل، وتأسيا برجال كثر في السودان لعبوا أدوار المؤسسات، قرر أن يحمل هذا الهم بمفرده، يبحث ويدرس ويكتب، ثم يتابع مراحل الطباعة والتنفيذ، ثم التسويق الشحيح، الذي لا أريد أن أتحدث عنه هنا فأفسد عليه روعة المشهد.
هذه كتابة إيجابية في حب الوطن، تتجاوز الوقوف عند أطلال الماضي والتباكي عليه للبحث في الأفكار وطرق أبواب المستقبل، حبا في الوطن وناسه، بوركت يا صديقي وبورك الجهد الذي تقوم به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*