مؤانسة رمضانية(7) صفحات ضائعة من الأدب السوداني “1”

نعم..، هناك صفحات ضائعة في تاريخ وحاضر الأدب السوداني، وهناك فجوات ظاهرة ومعروفة لمن يخاول الدخول في حالة تتبع تاريخي لتطور الأدب السوداني، شعر وقصة ورواية ونقد ومسرح، وإن كان تاريخ المسرح أفضل حالا، فقد وجد اهتماما كبيرا. أثناء افتتاح مهرجان المسرح السوداني في 2019، على ما أظن، فوجئت بحجم المطبوعات الصادرة عن المسرح السوداني وشخوصه وأعماله المسرحية. ولا أظن أن هناك جانب من الفن والادب السوداني وجد اهتمام توثيقيا مثل المسرح السوداني، وشكرا للكتاب والمؤرخين المسرحيين، الميري والسر السيد وأستاذنا الدكتور يوسف عايدابي والهيئة العربية للمسرح وغيرهم كثيرين.
عدم الاهتمام وغياب التوثيق وضعف حركة النشر وضعف المقابل المادي الذي يتقاضاه النقاد والمحررون الثقافيون في الصحف جعل تفرغهم لهذه المهمة غير ممكن وغير منطقي، لهذا مارسوا النقد والتحرير الثقافي كهواية وللمتعة الذاتية وليس احترافا، إلا قلة. وحتى الذين تفرغوا وكنبوا في الصحف لسنوات عديدة لم يتم تجميع كتاباتهم في كتب يمكن الرجوع إليها بدل التفتيش في إرشيف الصحف. كتاب ونقاد مهمون ومحترمون مثل سامي سالم وأحمد عبد المكرم لهم بصمات قوية ومؤثرة في حركة النقد الثقافي والادبي، توزعت كتاباتهم بين الصحف والاسافير بلا رابط بينها. بل كاتب وفنان وناقد مهم مثل حسن موسى توزعت كتاباته بين نشرته القديمة “جهنم” وموقع “سودان فور أول “، ولكن ماقبل وما بعد ذلك يوجد في قلوب الأصدقاء ومكتباتهم الخاصة.
شهدت ورأيت أن سامي سالم، قبل هجرته لكندا ورحيله الفاجع بعد ذلك، كان قد أعد كتابين، أحدهما عن الشاعر محمد المهدي المجذوب، ولا أعلم مصير الكتابين.
يقول تاريخ الرواية السودانية أنها بدأت بـ “إنهم بشر” للكاتب خليل عبد الله الحاج التي كتبت عام 1955، ثم هناك إشارات أخرى إلى ملكة الدار محمد ورواية “الفراغ العريض”..لكن ماذا قبل ذلك، وكيف نتتبع مسيرة الرواية السودانية في الستينات والسبعينات ومن هم رموزها، إلى جانب الطيب زروق وأبوبكر خالد وفؤاد عبد العظيم، بل أين الطبعات الحديثة من هذه الروايات ..؟ شكرا للمعاجم العربية وانطلوجيا عربية متعددة في الشعر والقصة والرواية، لولاها لما وجدنا سطرا عن رواد الكتابة والأدب في السودان. لقد واصلوا جهدا بدأه قبلهم عبد المجيد عابدين ومحمد مصطفى هدارة ومحمد النويهي، وغيرهم من الأكاديميين العرب الذين عملوا في السودان وكتبوا ونشروا عن حركة الأدب في السودان.
عرف القراء العرب الطيب صالح لأنه نشر في بيروت، في دار الآداب ثم دار العودة، فلفت إليه نظر النقاد، وبالذات رجاء النقاش، ولولا ذلك للاقى الإهمال مثله مثل كاتب عبقري هو إبراهيم إسحق نشر أعمالة بالداخل فقط، ولم يعرفه القراء في العالم العربي. أو ليس من المحزن ألا يقرأ الناس المولعين بالقصة لكاتب مبدع “وكسول” مثل عادل القصاص، ولكاتب عبقري مثل بشرى الفاضل.
انتبه الروائيون الشباب لهذا المأزق، فنشروا أعمالهم في دور النشر العربية، وشاركوا في المعارض والمهرجانات، فعرف العالم العربي كله عبد العزيز بركة ساكن وأمير تاج السر وحمور زيادة ومنصور الصويم، فقد كسروا الحاجز وذهبوا للقارئ حيث هو، ولم ينتظروا وصوله هو إليهم.
يعرف الناس ليلى أبو العلا لأنها كتبت بالانجليزية وتمت ترجمة أعمالها للعربية، وكذلك طارق الطيب الذي عاش بين مصر والنمسا، لكن يوجد كاتب مميز مثل جمال محجوب، وبالمناسبة هو شقيق زوج ليلى أبو العلا، يكتب وينشر بالانجليزية، ومعظم أعماله عن السودان، لكن لغياب حركة الترجمة لم يقرأ الناس له عملا واحدا بالعربية. أتمنى أن يصله مترجمون مثل بدر الدين الهاشمي وسيد أحمد بلال وناصر السيد.
من بين النقاد والكتاب الذين نشطوا في تجميع موادهم ونشرها في كتب ، وكانت هذه ظاهرة متفردة، معاوية البلال، الذي نشر عدد من الكتب “كتابة الجنوب وجنوب الكتابة” و”الكتابة في منتصف الدائرة” وغيرها ثم أخذته منا المنافي، ولا أعرف إن كان لا يزال نشطا في الكتابة أم توقف عنها.
يقف عبد المنعم عجب الفيا وحده راكزا ومواصلا عناء الكتابة، وشكرا للغربة التي وفرت له دخلا ووقتا يمكنه من معافرة هم الكتابة والنشر فيسد فراغا كبيرا في هذا الجانب. وأتمنى أن يسعى بقية الكتاب والنقاد مثل مجذوب عيدروس ودكتور هاشم ميرغني ودكتور مصطفى الصاوي نحو نشر أعمالهم النقدية، وما أكثرها.
ونواصل