مع استمرار التصعيد العسكري… هل من خيارات تفتح نافذة أمل؟

مع استمرار التصعيد العسكري في السودان وتمسك كل طرف بخياراته المتطرفة، تتضاءل فرص الحلول السلمية وتتقلص خيارات إنهاء الحرب بطرق مستدامة. وعلى الرغم من أن الحسم العسكري كان خيارًا مطروحًا في صراعات سابقة داخل السودان، إلا أنه لم يحقق نتائج حاسمة، مما يعزز الحاجة إلى البحث عن مسارات أخرى لاحتواء الأزمة وتقليل الخسائر البشرية والمادية.
المسار السياسي: الخيار الأكثر واقعية
يظل المسار السياسي أحد أكثر الطرق فعالية لإنهاء الحروب أو على الأقل تجميدها مؤقتًا، مما يسمح بالتعامل مع تداعياتها الإنسانية والإنتقال إلى مرحلة الحلول السياسية. ولن يتحقق ذلك إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف المتحاربة للوصول إلى وقف إطلاق نار فعّال، إذ لا يمكن معالجة الكارثة الإنسانية المستمرة دون وضع حد للقتال.
في هذا السياق، كان منبر جدة يشكّل فرصة حقيقية لوقف التصعيد، كونه حظي بقبول الأطراف ودعم دولي. لكن ضعف الآليات التنفيذية والمراقبة الفعالة أدى إلى فشل الاتفاق، مما أفسح المجال أمام استمرار الخيار العسكري، وكرّس حالة الفوضى الأمنية والتفلتات الميدانية.
عوامل تأجيج الصراع وتصعيد المواجهة
ساهمت عدة عوامل في استمرار الحرب وزيادة الاستقطاب داخل السودان، من أبرزها:
الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين، والتي عمّقت الأحقاد وزادت من صعوبة الوصول إلى مصالحة وطنية.
التدخلات الخارجية عبر تدفق الأسلحة والدعم غير المباشر، مما زاد تعقيد الصراع ومدّ أطرافه بقدرة إضافية على الاستمرار.
التعبئة الجماهيرية الخطيرة التي قادتها بعض الأطراف، مما حوّل الحرب إلى مشروع سياسي وأيديولوجي بدلاً من كونها نزاعًا محدودًا يمكن احتواؤه.
لكن التطور الأخطر يتمثل في تحوّل النزاع إلى صراع على الشرعية، حيث سعت بعض الأطراف إلى تشكيل حكومات موازية، مما يهدد بتقسيم السودان وزيادة عمق الاستقطاب السياسي والاجتماعي.
الحل العسكري: خيار مكلف وغير مضمون
في غياب حل سياسي، تلجأ الأطراف المتحاربة إلى خيارات عسكرية متعددة، مثل:
الحسم العسكري الشامل، وهو خيار نادر التحقق ومكلف على المستويات الإنسانية والاقتصادية.
استراتيجيات الاستنزاف، والتي تهدف إلى إنهاك الخصم وإجباره على التفاوض بشروط غير متكافئة، لكن هذا النهج يؤدي إلى إطالة أمد المعاناة الشعبية.
التدخلات الخارجية المباشرة، والتي قد تزيد من تعقيد المشهد وتفاقم النزاع بدلًا من حله.
ضرورة تبني مسار وطني للحل
إن السودان بحاجة اليوم إلى إعمال العقل والحكمة والتوجه نحو خيارات سياسية واقعية تنهي معاناة المواطنين وتضع حدًا للدمار المستمر. فكل يوم يمر دون حل يزيد من استنزاف الموارد الوطنية ويعمّق أزمة النزوح والتشريد.
قد يرى البعض أن الدعوة إلى الحلول السلمية تصب في صالح أحد الأطراف على حساب الآخر، لكن الحقيقة هي أن إنهاء الحرب هو الخيار الأكثر أمانًا للجميع، إذ أثبتت التجربة أن العنف لم يكن يومًا وسيلة فعالة لتحقيق الاستقرار أو تحقيق الأهداف الوطنية.
المسؤولية الوطنية والتاريخية
يتحتم على أبناء السودان، في هذه اللحظة الحرجة، تجاوز المصالح الضيقة والانخراط في حوار وطني شامل يضم جميع المكونات السياسية والمدنية والمجتمعية، للتوافق على مشروع وطني حقيقي ينهي الصراع ويؤسس لشرعية سياسية قائمة على التوافق، لا على النزاع المسلح.
أخيراً
لا يوجد حل واحد سحري لإنهاء الحرب، بل يعتمد الأمر على مزيج من العوامل السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية. لكن التركيز على المسار السياسي واتخاذ تدابير فاعلة لحماية المدنيين ووقف العنف يبقى الخيار الأكثر استدامة على المدى الطويل.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (هود: 117).
–