السودان… البحث عن البوصلة..المؤتمر القومي الجامع لتأسيس سودان بمواصفات عصرية: العدل، العلم، والدولة الرقمية

السودان… البحث عن البوصلة..المؤتمر القومي الجامع لتأسيس سودان بمواصفات عصرية: العدل، العلم، والدولة الرقمية
  • 23 أبريل 2025
  • لا توجد تعليقات

محجوب الخليفة

▪️تحت وطأة صراع دموي تتشابك فيه خيوط الجغرافيا والتاريخ والطموحات الشخصية، يجد السودان نفسه اليوم أمام منعطف حاسم، تتداخل فيه الأزمات مع الفرص، ويشتد فيه البحث الوطني عن بوصلة تُعيد للأمة اتجاهها الصحيح، وتنقذ ما تبقى من الوطن الذي أنهكته الحرب، وفتّت كيانه التنازع الحزبي، وأضعفته الولاءات الضيقة والارتهانات الإقليمية والدولية.
▪️لقد بلغ السودان حدًّا من التأزم لم يعد معه ممكنًا ولا مقبولًا أن تُدار البلاد بعقليات ما قبل الدولة الحديثة، أو بمنهجية الغنائم السياسية، أو بإرث الحروب والمزايدات الإيديولوجية والقبلية. ففي ظل الانهيار المؤسسي المتسارع، وتلاشي مفهوم الدولة، وانزلاق المجتمع إلى حافة التفكك، بات من الواضح أن الحل لا يكمن في بندقية، ولا في صفقة، بل في فكرة: فكرة “المؤتمر القومي الجامع” بوصفه المخرج الوحيد والضروري لصياغة مشروع وطني جديد، يتجاوز لحظة الخراب نحو أفق النهضة والبناء.

المؤتمر القومي الجامع لحظة التأسيس لا التسوية

▪️ليس المطلوب مؤتمرًا لتقاسم السلطة بين النخب، ولا تفاهمًا هشًا ينتهي بمجرد تقاطع المصالح، بل ما نحتاجه هو “لحظة تأسيس” حقيقية، تُعيد تعريف السودان كفكرة وهوية، وتُخضع المستقبل لمنطق التخطيط لا للقدرية السياسية. مؤتمر يضم كل أطياف المجتمع السوداني، لا على أساس التمثيل السياسي فقط، بل على قاعدة الكفاءة والنية الصادقة في خدمة الوطن.
▪️ينبغي أن يُبنى المؤتمر على مرتكزات علمية ومدنية، يُستبعد فيه السلاح كوسيلة للتفاوض، ويُستبدل بمنهج الحوار الرشيد والعقل الجماعي. مؤتمر لا يُقصي أحدًا، لكنه لا يُكافئ أمراء الحرب، ولا يُكرّس لاحتكار السلطة من قِبل من تسببوا في خرابها.

بوصلة العصر العدل، العلم، والدولة الرقمية

▪️السودان الجديد لا يُبنى بالحنين إلى الماضي، بل بالفهم الدقيق لمعطيات الحاضر ورهانات المستقبل. ومشروع الدولة العصرية في السودان ينبغي أن يقوم على ثلاث ركائز متكاملة:

1- العدل

▪️ وهو حجر الزاوية في بناء أية أمة متماسكة. فلا دولة بلا عدالة، ولا تنمية بلا مساءلة، ولا سلام بلا إنصاف للضحايا. العدالة ليست شعارًا خطابيًا، بل نظام قانوني ومؤسسي يضمن الحقوق ويحمي الحريات ويحاسب على الانتهاكات بلا تمييز.

2- العلم

▪️ لا يمكن لأمة أن تنهض ما لم تجعل من المعرفة قاطرة للتغيير. الاستثمار في التعليم، وتمكين الجامعات، وتحديث المناهج، وتبني البحث العلمي كأداة لحل مشكلات الاقتصاد والزراعة والصحة والبنية التحتية، كلها أولويات لا غنى عنها لأي مشروع نهضوي.

3- الدولة الرقمية

▪️في عصر الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، لا مكان للدولة الورقية. السودان بحاجة إلى ثورة رقمية شاملة في مؤسساته، وفي نظامه الإداري، وفي اقتصاده. فالحكومة الإلكترونية ليست ترفًا بل ضرورة لمكافحة الفساد، وتسريع الإجراءات، وتحقيق الشفافية في إدارة الموارد.

الخروج من عباءة الحرب إلى هندسة السلام المستدام

▪️السودان لم يعرف سلامًا حقيقيًا منذ الاستقلال، بل كانت كل محطات السلم مجرد استراحات محارب تُفضي إلى جولات أعنف. والسبب الجوهري يكمن في غياب المشروع الجامع، وافتقاد الإرادة السياسية لتحويل التنوع من لعنة إلى نعمة. السلام المطلوب اليوم ليس وقفًا لإطلاق النار، بل إعادة تشكيل للوعي الجمعي، ولعلاقة المواطن بالدولة، وللتوزيع العادل للثروة والسلطة.
▪️السلام في السودان لا يُصنع في عواصم العالم، بل يبدأ من الداخل، من اعتراف الذات السودانية بكل تعقيداتها وتناقضاتها، ومن الشجاعة في مواجهة الأخطاء، ومن إعادة الاعتبار للمشروع الوطني بوصفه السبيل الوحيد للخلاص من الحرب والانقسام.

الدور الإقليمي والدولي من التدخل إلى التمكين

▪️لا يمكن عزل السودان عن محيطه، لكن لا ينبغي أيضًا أن يتحول إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية. آن الأوان لأن يتعامل العالم مع السودان ككيانٍ له إرادته، لا كملفٍ تُتداول حوله المصالح. ويجب أن يكون دور الخارج – من الاتحاد الإفريقي إلى الأمم المتحدة – دورًا داعمًا لعملية وطنية حقيقية، تُبنى من الداخل، وتُدار بيد السودانيين أنفسهم.

نحو عهدٍ جديد

▪️ المؤتمر القومي الجامع هو بوابة السودان إلى القرن الحادي والعشرين، وهو السبيل الوحيد لتحويل البلاد من ساحة نزاع إلى مركز إشعاع حضاري واقتصادي في إفريقيا والعالم العربي. بوصلة السودان لا يجب أن تحددها البنادق، ولا مصالح العواصم، بل إرادة شعبه، وعقل علمائه، وحكمة حكمائه، وشجاعة شبابه.
▪️السودان لا تنقصه الإمكانيات، بل الرؤية. لا يفتقر إلى الموارد، بل إلى الإدارة الرشيدة. وما لم تُبنى الدولة على أسس جديدة: العدل، والعلم، والتحول الرقمي، فإن الحرب لن تكون سوى البداية لسلسلة من الانهيارات.
▪️فلنضع الخلافات جانبًا، ولنلتقِ كمواطنين لا كخصوم، ولنصنع معًا وطناً يليق بتاريخ السودان، وبأحلام أبنائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*