الأربعاء - 25 شوال 1446 هـ , 23 ابريل 2025 م

الأمم المتحدة تدعو أطراف النزاع في السودان للسماح بالمرور الآمن للمساعدات الإنسانية

التحول الرقمي ِ.. وزارة العدل السعودية والمحاكم نموذجاً

التحول الرقمي ِ.. وزارة العدل السعودية والمحاكم نموذجاً
ناصر إسماعيل العبيد محام ومستشار قانوني

يشهد العالم اليوم طفرة رقمية في كافة المجالات، لأن ظهور الأجهزة والآلات والانظمة الذكية سيؤدي إلى إختصار الوقت وخفض التكلفة وتحقيق مرونة وكفاءة في العملية الإنتاجية ومعالجة البيانات، فالحاجة إلى التحول الرقمي أصبحت ضرورة حتمية على المؤسسات لمواكبة التطور وتحقيق الإستدامة خاصة بعد ظهور التقنيات الرقمية الناشئة مثل الذكاء الإصطناعي.

كما نجد أن المملكة العربية السعودية قد أولت ذلك إهتمام بالغ بما يحفظ للناس حقوقهم، وفي سبيل ترسيخ مبدأ العدالة بين المتقاضين بذلت الكثير من الجهود والإمكانيات، وأتاحت للخصوم كافة الضمانات القضائية، حيث أشارت إلى أهمية تطوير الحكومة الإلكترونية، ووسعت نطاق الخدمات عن طريق شبكة الإنترنت لتشمل عدد كبير من الخدمات تهدف للوصول للعدالة بتقنيات رقمية، وبما قدمته وزارة العدل من خدمات وإمكانيات أدت لتفعيل التحول الرقمي المطلوب، وهي تسعي إلى تحقيق تحول رقمي شامل في القضاء السعودي من خلال تطوير البنية التحتية الإلكترونية وتوفير خدمات رقمية قضائية متكاملة.

أولاً: مفهوم التحول الرقمي:

هو آلية مبنية على إستخدام التكنولوجيا الرقمية والتقنيات الإلكترونية الحديثة من أجل تطوير المؤسسات، كما عُرف بأنه إستخدام جميع التقنيات الرقمية المتاحة لتحسين أداء الشركات والمساهمة في رفع مستوي المعيشة.

كما عرفت التقاضي الإلكتروني بأنه هو نظام يتيح للأطراف تقديم دعاوى قضائية إلكترونياً ومتابعتها بشكل كامل عبر الإنترنت دون حاجة إلى الحضور الشخصي في المحاكم، بحيث يتضمن هذا النظام إستخدام منصات رقمية تسهل عمليات رفع الدعاوى وتبادل المستندات والتواصل بين الأطراف القضائية عبر تقنيات الاتصالات.

مميزات التقاضي الإلكتروني في المملكة العربية السعودية:

  • توفير الوقت والجهد: لمتابعة القضايا، فبدلاً من الحاجة للحضور الشخصي وتقديم المستندات يدوياً، يمكن للأطراف رفع القضايا إلكترونياً، وإرفاق المستندات المطلوبة.
  • تخفيف العبء الإداري على المحاكم: من خلال تنظيم الملفات القضائية، حيث يتم حفظها بشكل رقمي، مما يسهل الوصول إليها ومراجعتها بسرعة.
  • زيادة الشفافية وتحسين الكفاءة وتعزيز ثقة المتقاضيين في النظام القضائي.
  • المرونة في التواصل وتعزيز العدالة الرقمية: حيث يصبح من الممكن الوصول إلى العدالة بشكل أكثر شمولية وفاعلية حتى في المناطق النائية أو الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في التنقل، مما يساهم في توسيع نطاق الخدمات العدلية.

التحديات التي تواجه التقاضي الإلكتروني:

رغم المزايا الكثيرة التي يوفرها نظام التقاضي الإلكتروني في المملكة إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه هذا النظام، وتتمثل في الآتي:

  • التحديات التقنية بحيث تعتمد فاعلية التقاضي الإلكتروني بشكل كبير على البنية التحتية التقنية المتاحة، وقد تواجه بعض المحاكم والمستخدمين صعوبة التكيف مع التكنولوجيا الحديثة أو مشكلة الإنترنت أو تعطيل المنصات الإلكترونية مما يؤثر على سير الإجراءات القضائية.
  • الحفاظ على السرية والأمان: حيث أن هذا النظام يعتمد على تبادل مستندات قضائية حساسة مما يتطلب حماية لتلك البيانات، لذا يجب أن تكون المنصات القضائية الإلكترونية مزودة بأعلى مستوي الأمان لضمان عدم تسريب أو إختراق البيانات.
  • التحديات القانونية والتنظيمية: رغم أن النظام الإلكتروني يسهم في تسهيل العملية القضائية إلا أن بعض الإجراءات القانونية قد تحتاج إلى تحديث لضمان توافقها مع المنظومة الرقمية، هذا يتطلب تعديل بعض التشريعات والقوانين المتعلقة بإجراءات التقاضي لتلائم البيئة الإلكترونية.
  • التحديات الثقافية: قد يواجه النظام الإلكتروني تحديات تتعلق بالعادات والتقاليد الثقافية، قد يجد بعض الأطراف صعوبة في تقبل التقاضي عبر الإنترنت لأن البعض يفضل الأساليب التقليدية في التقاضي، ويرى أن الحضور الفعلي في المحاكم يعزز من الشفافية والعدالة.

ونري ان تلك التحديات يمكن التغلب عليها بالآتي:ـ

اولا: التغلب على التحديات القانونية:ـ

1- تحديث القوانين واللوائح لتعكس التغييرات الرقمية.

2- الامتثال للقوانين واللوائح المتعلقة بالتحول الرقمي.

3- توفير الحماية القانونية للبيانات والخصوصية.

4- التعاون مع الجهات القانونية لضمان الامتثال للقوانين.

ثانيا: التغلب على التحديات الثقافية:ـ

1- تقديم التدريب والتوعية اللازمة للقضاة والمحامين والموظفين حول أهمية التحول الرقمي وكيفية التعامل مع التكنولوجيا الجديدة.

2- التواصل الفعال وتوضيح أهداف التحول الرقمي وفوائده للمجتمع والقضاة والمحامين.

3- اشراك المجتمع في عملية التحول الرقمي لتعزيز الفهم والقبول.

4- الاستفادة من خبرات الآخرين في مجال التحول الرقمي.

5- توعية المواطنين بأهمية التحول الرقمي وكيفية الاستفادة منه.

ثالثا: اقناع المجتمع:ـ

ولإقناع المجتمع بأهمية التحول الرقمي في المحاكم، يمكننا اتباع الخطوات التالية:ـ

1- توضيح الفوائد والتي تتمثل:ـ

  • زيادة الكفاءة حيث يمكن للتحول الرقمي أن يزيد من كفاءة المحاكم ويقلل من الوقت اللازم لإنجاز القضايا.
  • تحسين الشفافية: التحول الرقمي يزيد من شفافية المحاكم ويقلل من الفساد.
  • تسهيل وصول المواطنين والمقيمين إلى العدالة.

2- تقديم الأمثلة الناجحة:

  • تقديم أمثلة من الدول الأخرى التي نجحت في تطبيق التحول الرقمي في المحاكم.
  • تقديم أمثلة من المحاكم المحلية التي نجحت في تطبيق التحول الرقمي.

3- التواصل الفعال مع المجتمع من خلال وسائل الإعلام المختلفة لتوضيح أهمية التحول الرقمي والاستماع إلى مخاوف المجتمع والرد عليها بشكل فعال.

التحول الرقمي لإجراءات التقاضي:ـ

يعتبر موضوع التحول الرقمي أمر لابد منه في ظل المستجدات الحديثة ولتقدم وزارة العدل خدمات التقاضي وتحقيق مبدأ العدالة بين المتخاصمين، مما يؤدي لتطوير الخدمات العدلية.

حيث كان العمل قديماً حين تقييد الدعاوي، وتبليغ الخصوم ونظام الجلسات والمرافعة، وإصدار الأحكام قبل إنتقال العمل الورقي إلى إلكتروني، مثله مثل كافة العمل لدى الأجهزة الحكومية الأخرى بالمملكة من حيث تقييد الطلبات بشكل ورقي لنماذج معينة ووجود سجلات ورقية، فهناك سجلات لتقييد الدعاوى والصادر والوارد وبها تنظيم معين صادر من رؤساء المحاكم حسب الصلاحيات الممنوحة لهم، أما بالنسبة لتبليغ الخصوم فهناك قسم يسمى بمحضري الخصوم ويعمل به حتى بعد ظهور التبليغ الإلكتروني لأهميته حيث يتعذر التبليغ في حالات مخصوصة نص عليها النظام.

وفي عام 1423هـ تم إصدار أول نظام إلكتروني بالمحاكم وسمى بالنظام الشامل والعمل به في المحاكم وقد كان على عدة مراحل:

المرحلة الأولى: تقييد الدعاوى إلكترونياً وإحالتها إلى الدوائر القضائية.

المرحلة الثانية: ضبط وإصدار الصكوك للقضائية النهائية.

المرحلة الثالثة: ضبط وإصدار الصكوك للقضايا الجنائية والحقوقية.

جرى العمل بهذا النظام بعد إكتمال جميع إجراءات التقاضي به إلكترونياً حتي عام 1440هـ، ثم أطلق رئيس المجلس الأعلى للقضاء نظام ( ناجز المحاكم ) في محاكم الدرجة الأولى في المملكة بهدف توحيد الإجراءات، وتوظيف التحول الرقمي في بناء القضاء المؤسسي وسرعة البت في المنازعات، وتم إعداد وثيقة نظام الإجراءات القضائية داخل المحاكم وحصرها قبل تحويلها لرقمية، لتلافي عيوب النظام الشامل، ثم صدر بعد ذلك نظام ( مراسلات ) والذي هدف إلى ربط العمل الإلكتروني بين جهات الوزارة دون حاجة إلى البريد الورقي، ثم أصدرت الوزارة منصة ( تقاضي ) عن بعد للإرتقاء بالعمل القضائي وتدرجت في العمل بها وفق مراحل محددة ووفقاً لتوزيع المحاكم من المحكمة العليا والإستئناف والعامة … إلخ، ثم قامت بتوحيد الإجراءات وإتباع مراحل معينة في التقاضي هي:

أولاً: مرحلة قيد الدعوى:

وقد كان الإختصاص سابقأً في هذه المرحلة للمحاكم ذاتها حيث يتقدم المستفيد بصحيفة دعوى ويتم عمل ملف القضية ثم إحالتها إلى الدائرة القضائية المختصة بحسب النظام الإلكتروني المتاح، ثم في مرحلة متقدمة انشأت الوزارة مركز تدقيق الدعاوى والذي يساهم في رفع جاهزية ملف القضية قبل قيدها والتأكد من إكتمال جميع المتطلبات الأساسية للدعوى قبل إحالتها للدائرة القضائية.

ثانياً: مرحلة تبليغ الخصوم:

وهي من أهم المراحل التي يعتمد عليها إجراء التقاضي عند نظر الدعوى وتسبيب الحكم، حيث جوزت إستعمال الوسائل الإلكترونية في التبليغات القضائية ويترتب عليها ما يترتب على التبليغ بالطرق الأخرى، ولا يجوز إجراء أي تبليغ في مكان الإقامة قبل شروق الشمس ولا بعد غروبها ولا في أيام العطل الرسمية إلا في حالة الضرورة أو إذا كان عن طريق إحدى الوسائل الإلكترونية.

ثالثاً: مرحلة النظر القضائي:

وقد وجه وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء بإطلاق خدمة التقاضي عن بعد ضمن جهود الوزارة لإستكمال منظومة التحول الرقمي ودعم سرعة الإنجاز لجميع إجراءات التقاضي كتبادل المذكرات وتقديم المستندات والمحررات وعقد جلسة الترافع الإلكتروني والمرافعة عن بعد والنطق بالحكم وإستلام نسخة الحكم والإعتراض عليه أمام المحكمة الاعلى درجة عبر منصة التقاضي عن بعد الخاصة بالوزارة، كما أكدت الوزارة أن خدمة التقاضي عن بعد تحافظ على الضمانات القضائية وفق حوكمة تضمن تحقيق هذه الضمانات، ويجري عقد الجلسات عن طريق نوعين من التقاضي:

الأول: الترافع الإلكتروني:

والذي يمكن الدائرة وأطراف الدعوى من الترافع الكتابي وتبادل المذكرات وإيداعها وتوجيه الأسئلة والإجابة عليها كتابياً من قبل الأطراف وإرفاق مستنداتهم.

الثاني: جلسة المرافعة عبر الإتصال المرئي:

أي عقد جلسة مرئية بالصوت والصورة يحضرها الأطراف عبر الوسائل المعتمدة من الوزارة، وتتم فيها مناقشة الأطراف والنطق بالحكم.

كما أطلقت وزارة العدل منصات رقمية للعمل عن بعد لمساندة القاضي وأطراف الدعوى وهي:

منصة ( تراضي ) وهي منظومة المصالحة بحزمة من القرارات والخدمات لزيادة نسبة تسوية القضايا بالصلح لتقديم خدمة الصلح بين أطراف النزاع إلكترونياً (عن بعد ) للحد من تدفق الدعاوى للمحاكم وسرعة إنجاز القضايا وتوظيف التقنيات الحديثة، ومنصة ( خبرة ) لتسهيل طلبات الخدمة المتخصصة للحصول على تقارير الخبراء للتقليل من أمد التقاضي لتيسير التواصل بين القاضي والخبير وأطراف الدعوى، ومنصة (إثبات) والتي تهدف إلى تسهيل إجراءات توثيق العقود والشهادات والمستندات القانونية بشكل إلكتروني.

ومنصة ( التنفيذ الإلكتروني ) التي توفر خدمات التنفيذ القضائي إلكترونياً، حيث يمكن للأطراف التقدم بطلبات تنفيذ الأحكام، سواء كانت أحكام قضائية أم سندات تنفيذية أخرى مثل العقود والأوراق التجارية، بالإضافة إلى منصة ( التوثيق ) والتي تقدم خدمات التوثيق للأفراد والشركات.

هذه المنصات تشكل جهود المملكة في تعزيز التقاضي الإلكتروني وتعمل معاً على تحقيق رؤية المملكة التي تهدف إلى تطوير النظام القضائي وجعله أكثر توافقاً مع متطلبات العصر الرقمي، مما يساهم في تحقيق العدالة بشكل أسرع فعالية، ويسهل الوصول إليها لجميع فئات المجتمع.

المرحلة الرابعة: مرحلة إصدار الحكم وتسليمه:

فقد أطلقت الوزارة خدمة صكوك الاحكام والإنهاءات الإلكترونية بما يتيح الإستفادة من إمكانية إستلام صكوك الأحكام بشكل إلكتروني عبر رسالة دون الحوجة لزيارة المحكمة، والإستغناء عن الصكوك الورقية، وحفظ المعلومات إلكترونياً وإتاحتها من خلال وسائل التحقق الإلكترونية من خلال قناة التكامل الحكومية التابعة لبرنامج التعاملات الإلكترونية الحكومية ( يسر) من خلال خدمة (التحقق من صك حكم ) من خلال بوابة ناجز ، والرد آلياً من أنظمة الوزارة بصحة المعلومات وتفاصيل الصك.

يتضح لنا مما سبق أن التقاضي الإلكتروني في المحاكم السعودية يمثل خطوة هامة نحو تحسين النظام القضائي وتسهيل الوصول للعدالة، من خلال توفير الوقت والتكاليف وتوفير مرونة أكبر للأطراف المعنية، يسهم هذا النظام في تعزيز كفاءة الإجراءات القضائية وزيادة الشفافية، على الرغم من وجود بعض التحديات التقنية والقانونية فإن الجهود المستمرة التي تبذلها المملكة في تعزيز البنية التحتية القضائية الرقمية والتدريب المستمر تؤكد على إلتزامها بتطوير منظومة عدلية متكاملة تلبي إحتياجات المواطنين والمقيمين على حد سواء.

كما يمثل التقاضي الإلكتروني رافداً قوياً لتحقيق العدالة وتحسين جودة الخدمات القانونية، مما يعزز من مكانة النظام القضائي في المملكة ويجعله قادراً على مواكبة التطورات التكنولوجية الحديثة.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
دخول سجل اسمك المستعار
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور