لا أنصحكم بهدر كثير من الوقت بشأن ميزانية 2018 التي أقاموا عليها أستارا من التكتم والسرية قراءة أو تحليلا، لأنها ببساطة أرقام طبخها وزير محاسب ولا علاقة لها بحسابات الاقتصاد الكلي القائمة علي معلومات دقيقة تفضي لتفعيل أدوات السياسة المالية والنقدية. فهل تريد دليلا أقوي يقم علي كذبتها البلغاء وهي تتحدث عن نية الحكومة خفض التضخم (وهو نسبة تقلب الأسعار) الي مستوي 19.5 بالمائة والناس تري بأم أعينها زيادات تفوق الثلاثة أضعاف لكل شئ، أي 300% ؟ والأنكي أن ميزانية الجوع هذي تتوقع نموا إقتصاديا هذا العام تقدره بأربعة في المائة!! كيف ينمو الاقتصاد والناس متبطلون وجائعون وقد أهلكت الضرائب الزراعة وسكنت الفئران حفر المصانع وصارت شنط القادمين بمعابر الدخول تفوح منها روائح الصلصة والبهارات!
درجاََ علي عادتها في حشو كل قرار يمس حياة الناس بجرعات من البنج للتخدير، فإن ميزانية هذا العام كذوبة الأرقام ومضروبة لكنها تتسق مع نهج العصابة الحاكمة في بذل الوعود لتأجيل تحرك الشارع بإتجاه التغيير . عندما نقف علي حيثيات مادار خلف الكواليس بين البشير وبكري ليلة تشكيل الوزارة في مايو الماضي، سنتبين طريقة إعادة ترتيب مصالحهم معبرا عنه بالكيفية التي تم بها إبعاد وزير المالية السابق، بدرالدين محمود وإحلال الفريق الركابي مكانه.
نظرية الحكم في الانقاذ: الكذب الإستراتيجي
برهنت الانقاذ عبر عقودها الماضية أن الكذب هو أهم أسلحة ترسانتها الاستراتيجية في إدارة دولتها وإخضاعنا لحكمها . وعليه، تحري أسدنا النتر الكذب حتي صار أنفه الذي به يتنفس ولسانه الذي به ينطق . فبايعه رهطه علي سمع ذميم وطاعة محرمة في منشط فاسد، والمنشط لغة هو الأمر السهل المرغوب كالغنائم والعطايا. بايعوه علي مَكْرهٍ منبوذ، والمكره هو الشئ الصعب الثقيل كالنوازل، فتعاونوا علي ظلمنا وإستباحة حقوقنا وأعراضنا وماسلمت من بغيهم حتي أرواح الالوف المؤلفة من أهلنا في بقاع الوطن المستباح .
بالكذب إستهلت العصابة حكمها، (اذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا). وبالكذب إشتروا الوقت، فخدرتنا الوعود عاما بعد إخر حتي بلغنا مانحن فيه اليوم من ورطة . إذا قلبّت ذاكرتك، يامن تقرأ هذه السطور، وتمعنت في أي برنامج أو مشروع إقتصادي أو سياسي علمت به، (وأكرر أي برنامج أو مشروع)، منذ 30 يونيو 1989 والي يومنا الماثل ستكتشف أن الكذب كان أساس ماسمعت وأن البرنامج إنتهي لغير ماوعدوا به، هذا إن بدأ التنفيذ أصلا! الخلاصة هي أن الانقاذ راهنت علي صبرنا اللامتناهي وذاكرتنا المعطوبة، فعاثت في الارض فسادا وجورا. وحيث أن الوعود تشتري الصبر فقد بذلها مسؤولو الانقاذ بأريحية، فأغرقونا فيها. وأتوا علي الذاكرة فجزوا عنقها من الوريد والي الوريد بقطع شريان المعلومات المغذية، فمزقوا الملفات وأفرغوا الادراج وبصموا علي كل شئ بأختام السرية، ويكفي أن تكون الميزانية العامة التي بين يديك سرا من أسرار الدولة حجبوها عنك قسرا رغم أنها تعنيك وتعني قوت أطفالك وصحتهم وكل شئ في حياة أسرتك بأكثر منهم!!!
الدين الخارجي والنهب الداخلي ومعادلة السرقة بلاحدود
قبل عامين، وتحديدا في 25 يوليو 2016، أصدر صندوق النقد الدولي تقييما لمديونية السودان الخارجية مستخدما ارقام عام 2015 الحقيقية ( https://goo.gl/XA93EZ) أورد التقرير في جانب منه مانصه (استمر الدين الخارجي للسودان علي مستوياته العالية بنهاية عام 2015. في الظروف العادية بلغ 50 بليون دولار، أي مايعادل 61% من الناتج المحلي الاجمالي، بما في ذلك قيمة وديعة قيمتها 1,6 بليون دولار أودعها مقرضون رسميون في عام 2015. حوالي 84% من الدين الخارجي في عام 2015 كان عبارة عن متأخرات لم يتم سدادها من القروض مما يشير أن هيكل الدين الخارجي لم يتغير خلال العقد الماضي حيث أن معظم الديون المعلنة رسميا بلغت 48,2 بليون دولار وشكلت المتأخرات فيها 86%).
مامعني هذا الكلام المخيف ؟
معناه أن صابر حسن محافظ بنك السودان لمدة 16 عاما كاملة لم يستخدم ولا فلسا واحدا من عائدات النفط المقدرة بحوالي 70 بليون دولار لاطفاء أي جزء من الديون التي انهمكوا في استلافها باسمنا رغما عن مدخولنا النفطي خلال سنواتنا النفطية (1999-2011)! ومعناه أيضا أن الديون قفزت من حوالي 13 بليون في 1989 الي مايزيد عن 56 بليون اليوم وأصبحت تبلع أكثر من نصف قيمة كل ماتنتجه بلادنا. وبرغم تضاعف أرقام الدين بسبب حسابات الفوائد المتصاعدة عاما بعد أخر،إلا أنهم استمروا يقترضون ويمتنعون عن السداد فذهبت تلك الأموال المستدانة الي جيوبهم علي هيئة عطاءات أرسوها علي شركاتهم وزادوا عليها بأكل أموال النفط (الارقام الواردة في هذا التقرير تناقش فقط المديونية ودخل النفط ولا تشمل قيمة المنهوب من ذهب أو أصول رأسمالية أو بيع للاراضي وغيرها من الموارد).
أضاف أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي بتاريخ 11 ديسمبر 2017 ان الدين الخارجي بدأ يقفز قفزات واسعة بسبب تراكمات الفوائد السنوية لاهمال الحكومة التسديد وانغماسها في البحث عن المزيد من القروض بلا اكثراث. فمثلا كانت مديونيتنا الخارجية تبلغ في 2013 ماقيمته 45 بليون دولار لكنها قفزت في عام 2015 الي 49,7 بليون ثم كسرت حاجز الخمسين بليون في عام 2016 لتقف عند 52,4 بليون. ويقدر التقرير مديويتنا الخارجية في العام الماضي بحوالي 54,1 بليون وتوقع أن تصل 56,5 بليون بنهاية 2018!!!
سرقونا 113,64 بليون دولار – كيف وماذا يعني ذلك الرقم؟
الرجاء النظر للرقم أعلاه جيدا وتخزينه في الذاكرة فسنأتي علي ذكره بعجائب !
عندما تسلطت علينا الانقاذ كان ديننا الخارجي يبلغ 12,963 بليون دولار “ فقط “ (أنظر ص رقم 346 من مؤلف الدكتور بيت مارويك بعنوان “التزامات السودان من العملات الخارجية الاجنبية حتي 31 ديسمبر 1989)
Peat Marwick, External Foreign Currency Obligations of Sudan (as of 31 December 1989
London, July 1990, p.346
اما اليوم فتقديرات صندوق النقد (https://goo.gl/dBUCWN) تتوقع أننا سنختم عامنا الجديد هذا، 2018، بمديونية تبلغ 56,5 بليون. إذن بلغ صافي القروض وفوائدها في سنوات الانقاذ 43,64 بليون دولار.إذا أضفنا لهذا المبلغ مانهبوه من عوائد البترول خلال العشر سنوات (1999-2011) والمقدرة ب 70 بليون، يصبح اجمالي المنهوب نقدا هو 113,64 بليون دولار (نكرر ان هذا الرقم لايشمل بقية المسروقات الاخري من موارد وطنية كالذهب والمنتجات الزراعية والاراضي وتفكيك وبيع الاصول الرأسمالية والمشروعات الكبري كسودانير والخطوط البحرية ومشروع الجزيرة والسكك الحديد ألخ ألخ).
الان اليكم بعض المقارنات الصادمة ومايعينه ذلك المبلغ المسروق!
* سرقوا منا 3 أضعاف دخل السعودية عام 1975
بحسب احصائيات موقع https://goo.gl/wB1kR5))فان مانهبه لصوصنا في ثلاثين عاما يعادل دخل المملكة العربية السعودية في عام 1975 بما يقارب الثلاثة مرات (2,78) فيومها بلغ صافي دخل المملكة بلغ 40,866 بليون دولار. أما اذا ماقارنا سرقاتهم بدخل السعودية الاجمالي في 1989، فسنجد أنهم تفوقوا علي الميزانية السعودية بما يقارب 10 بليون دولار، وحتي عندما توسعت ميزانية السعودية في عام 2003 وبلغت 216,548 بليون دولار فإن مانهبه لصوصنا ذوي الايادي المتوضأة كان يعادل نصف ميزانية بلاد الحرمين التي تزاحموا في شد الرحال لها في كل حج وعمرة ومؤخرا نال الفريق طه الحسين الختمي /الصوفي نعمة المجاورة فأصبح بتابعيته السعودية (طويل عمر إلا ربع) ! .
* وفاقت سرقاتهم ماتكلفته أمريكا في حرب فيتنام خلال 20 عاما
هاك الارقام، فهي لا تكذب. في ميزان المقارنة الرقمية الصرفة (اي دولار بدولار) فإن ماسرقه الأسد النتر وحاشيته من لصوص الانقاذ فاق كل ماصرفته أمريكا علي عملياتها الحربية في فيتنام بقرابة 3 بليون دولار !!
كانت حرب فيتنام في الترتيب هي الحرب الرابعة الأكثر دموية كما تقول إحصائيات وزارة الدفاع الامريكية -البانتغون. فهذه الحرب التي قتل فيها 58,220 الفا من الجنود الامريكيين يتقدمها في الترتيب الحرب الأهلية والحربين العالميتين (للمزيد من الارقام راجع(https://goo.gl/9U3FLP) . بلغ جرحي فيتنام ثلاثة أضعاف قتلاها، 153,303 فردا، أما الاعاقات الكاملة فكانت من نصيب 23,214 جنديا وهام علي وجوههم في الاحراش 1,643 عسكريا أمريكيا لم يتم العثور عليهم حتي يومنا هذا. كل هذه الارقام المذهلة عن حرب فيتنام، والتي استمرت من الاول من نوفمبر 1953 والي 30 ابريل 1975، يقول البانتغون أنها كلفت أمريكا خلال أعوامها العشرين 168 بليون دولار شاملا المعونات العسكرية والاقتصادية لحكومة سايغون. أما العمليات العسكرية التي خاضتها الجيوش الامريكية وشارك فيها أكثر من 2 مليون جندي في ذروة التصعيد العملياتي (1965-1972) فقد بلغت تكلفتها بالضبط 111 بليون دولار!
*لو صرفوا أموالهم في حرب الخليج لتحرير الكويت في 1991، لحرروها لوحدهم!
إستعرضت شبكة سي ان.ان (https://goo.gl/mJuFKz)بعض الارقام المثيرة عن حرب تحرير الكويت في عام 1991 والتي شارك فيها 956,600 من جنود الحلفاء غالبيتهم أمريكيون (700 الف) . تقول إحصاءات وزارة الدفاع الامريكية أن حرب “عاصفة الصحراء “ شاركت فيها 39 دولة وبلغت تكلفتها الاجمالية 61 بليون دولار موّلت امريكا وحلفائها 54 بليون دولار (حصة الخليجيين في ذلك المبلغ كانت 36 بليون دولار بينما دفعت ألمانيا واليابان 16 بليون) . وبرفع هذه الارقام المالية الضخمة الي منصة المقارنة المحضة، سوف تذهل عندما تكتشف أن لصوصنا سرقونا قرابة ضعف تكاليف تحرير الكويت (1,8 مرة) ولم نقبض من سرقتهم سوي الريح العقيم .
وأخيرا، ليتهم سرقوا وذهبوا لكوكب القمر وتركونا …
لو أراد أسدنا النتر العارف بطرائق اللطش والنهب إقامة محمية كافورية له ولأهله في كوكب القمر لتمكن من ذلك وبكل سهولة . فالارقام التي نهبها كانت ستحقق رغبات الاطراف جميعا، فهو سيفلت من شباك الجنائية الدولية وشبح زنزانة لاهاي الباردة، أما نحن فسنسعد برحيله أيما سعادة وسنطرب باستثماره لفلوسنا لمغادرتنا الي كوكب آخر ! أرسلت وكالة الفضاء الامريكية (ناسا) 6 رحلات فضائية الي القمر مابين 1966-1974 بلغت تكلفتها جميعا 109 بليون دولار. هذا يعني أن السّيْره الراقصة للأسد النتر وحاشيته بمن فيهم الموسيقيين ستكلف 18 بليون دولار للرحلة للمركبة الفضائية الواحدة. فقط سنشترط عليه ألا يفعل ما فعله رائد الفضاء الامريكي، نيل ارمسترونق (كابتن أبولو) بعلم بلاده الذي غرسه في تربة القمر بمجرد أن داست قدمه، ولاول مرة في تأريخ البشرية، تراب كوكب القمر يوم 20 يوليو 1969. فلا حاجة له بالانشغال بعلم جمهوريتنا وهو هناك، فنحن نريده أن يفطم شأنه منا ويتركنا وحالنا فكفاه مافعله بنا لمدة ٣٠ عاما. فليحتفل هناك بإفلاته النهائي من صداع الجنائية الدولية ولا نرجو منه أن ينشغل برمز عزتنا الوطنية الذي أهانه وهو معنا في كوكب الارض. سيظل عمر البشير في ذاكرتنا الوطنية رئيسا فاشلا وكاذبا وشخصا منبوذا، وبهذه الصفات المنكرة ستذكره كتب الاجيال القادمة.
قصة إستبدال لص آل البيت، بدرالدين، بالمُؤَلَّف قلبه!
في ساعة متأخرة من مساء الخميس 11 مايو 2017 أعلن رئيس الوزراء بكري حسن صالح وزارته المتكونة من 31 وزيرًا اتحاديًا وأكثر من 40 وزير دولة. وفي ذات اليوم، وللمفارقة، أكتملت وزارة الرئيس دونالد ترمب بتصديق مجلس الشيوخ علي أخر مرشحيه، فتشكلت وزارة الدولة الأقوي في العالم من 23 وزيرا فقط يخدمون قارة كاملة بلغ عدد سكانها حتي يوم الجمعة الخامس من يناير الحالي 325,643,679 مليون نسمة- أي عشرة اضعاف سكان السودان)!. أحد أسباب التلكؤ في اعلان وزارة بكري كان سببه الإعتراض الحدي والقاطع لرئيس الوزراء الجديد إستمرار وزير المالية السابق، بدر الدين محمود عباس في منصبه، رغم إصرار البشير الشديد عليه . فبدرالدين محمود كان “ ولايزال “ أحد شركاء الرئيس واسرته في فسادهم المالي وخازن أسرار عمولاته وصفقاته .فقد ظل لاعبا أساسيا في منظومة القصر الرئاسية الفاسدة والتي ضمت الفريق طه عثمان الحسين، طارق سرالختم، التركي اوكتاي ارجان،العباس البشير، عبدالله البشير وايمن المامون حسن محجوب وتزعمها المايسترو “ العم “ وهو الإسم الحركي للأسد النتر . بعد شهر واحد فقط من تشكيل تلك الوزارة، وبما يشبه شهقة موت الفجأة، حلت لعنة السماء علي تلك العصابة فتآمرت علي بعضها ورمت بالملفات علي الطاولة، فتفرقت أيدي سبأ. تمت إقالة طه في منتصف يونيو فحظره، فورا، كلاب حراسة البشير من دخول السودان فحرموه حتي حضور زواج بنته، أما مدبر الغضبة البشيرية التي أصابت طه، أيمن المأمون ” ود المأمون “، فقد كانت حفرة طه تنتظرة في مطار دبي بعد أن أوشي بكل أسراره وفعائله لأهل الامارة، فسقط ود المأمون في سجون الامن السياسي الاماراتي منذ أول أكتوبر الماضي والي يومنا الراهن. يتردد أنه وتحت الضغط الشديد بدأ مؤخرا في التعاون مع المحققين في الكشف عن شبكة أصدقاؤه ممن عبثوا معه في التلاعب في النظام المصرفي للدولة. تحت هذه المافيا الرئاسية، تتواجد ثلة من الاثرياء الجدد، كثيرة مال وقليلة سطوة لكنها ذات نقوذ يتزايد تنحصر مهمتها في تحريك قرون الاستشعار لمشروعات الخبطات السريعة ذات التمويل الجاهز. من هؤلاء وجدي ميرغني محجوب، وحازم مصطفي المقيم بسويسرا، شريك ود المأمون في شركة بدر اوفر سيز الاماراتية وزميله اليوم في السجن الاماراتي، وطارق حمزه وغيرهم من جيل أل. جي. المُطَوَّر للفساد. ولهذه الشلة تمددات وشبكات لشلل أصغر تليها وعلي هذا المنسج تتشابك الخيوط وتتكاثر .
المهم، إحتدم الخلاف بين البشير وبكري حول من يتولي وزارة المالية ليس بحثا عن الكفاءة وإنما لحسابات تهم الاثنين. فالبشير أراد من يأمنه ليواصل رعاية مصالحه المالية والتجارية وتنميتها بتيسير المزيد من النهب لشركائه. أما بكري فأراد ان يمارس دوره الجديد كرئيس وزراء متقمصا السمعة التي إنطلقت في صالونات الخرطوم أنه سيكون شوكة في خاصرة الفساد، من جانب، ولكراهيته الشخصية لبدرالدين محمود من الجانب المقابل . عمد بكري أن يتحدث من وحي رفقة سلاح المظلات مع قمندانه السابق فإقترح زميلهم “العسكري “الدكتور بابكر محمد التوم، عضو اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني، فرفض البشير وتيبس عند بدرالدين. أصر بكري وتوسل أن يتم تغييره مذكرا الريس بملف الفساد المفتوح الذي يطال أحد أفراد أسرة بدرالدين، فقاوم البشير بشدة. بعد ملاوة نطق القمندان بالحل الوسط، فإقترح عسكريا أخر يوافق هواه يتزيّا صدره بلوحة نياشين وأنواط تذكرك بقادة الباسيج الايرانيين، وله من ملامحهم نصيب وافر! رمي باسم دكتور المحاسبة عثمان سليمان الركابي مثل كرت الاتو، فصمت بكري قبولا علي مضض.
برغم عدم معرفتنا بالدكتورين لكنا نؤكد بأن إختيار رجل إقتصادي خريج جامعة معروفة، هي كليرمونت، مثل الدكتور بابكر التوم كان الأكثر إيجابية وصوابا بدلا من الفريق الدكتور الركابي الذي يأتي لهذا المنصب بتخصص محاسبة وهي علم لا علاقة مباشرة له بالاقتصاد الكلي وأدوات السياسات النقدية والمالية . فبرغم التشابك النظري، الا ان الاقتصاد والمحاسبة يقفان علي منصات مختلفة تماما. فالمحاسبة همها ‘’الميزانية أو المركز المالي” المؤسس علي تطوير حسابات الارباح والخسائر في قائمة الدخل . وإستطرادا، فإن أحد أهم وظائفها هي تعضيد القرارات الاقتصادية بمعلومات مالية، ولهذا يعرِّفونها بأنها وسيلة التخاطب بين الأعمال. فالمحاسبة تترجم الموارد والاحتياجات ونتائج التوزيع إلى لغة مالية تعكسها في موازنات وميزانيات وقوائم مالية. أما علم الاقتصاد فيبحث في مشكلتي الدخل والتوزيع ويظل مهموما بترشيد الموارد باتجاه الاستخدامات المُثلي. فمثلا، الدخل في مفاهيم الاقتصاد يمكن استهلاكه مع بقاء رأس المال أما المحاسبة فتفصل بين المالك والمشروع ومفاهيم التخصيص والاهلاك . وبينما ينهمك الاقتصاديون في طرائق توزيع الدخل على عناصر الإنتاج ينشغل المحاسبون بقائمة الدخل ودقتها لتعكس ألية توزيع الإيرادات وفق قاعدة المقابلة الشهيرة. نجمل القول بأن قضية علم الاقتصاد تمحورت فلسفيا حول نظرية الطلب والعرض وإشباع الحاجات المتعددة وفق حزمة قرارات لتوزيع الموارد المحدودة بشكل أمثل بينما المحاسبة، علم القيد المزدوج، بقيت ذات مخرجات معيارية محددة أساسها البحث في سجلات المعاملات المالية وتلخيصها وتحليلها والابلاغ عنها.
بجانب تخصصه غير المناسب للمنصب، فإن المحاسب المحاضر أتي لمنصبه الجديد بحمولة عفش فيه مايخدش النزاهة والسمعة المهنية عبر حوادث محددة يضعها من يعرفه في ميزان سيئاته من خلال تصرفاته إبان تقلبه في الكثير من المناصب العليا التي تقلدها وأخرها ادارة صندوق دعم السلع الاستهلاكية بالجيش.
عمل الدكتور محمد عثمان الركابى كمحاضر للمحاسبة المالية فى مدرسة العلوم الادارية جامعة الخرطوم، ثم كوكيل لديوان الحسابات ثم رئيسا لمجلس ادارة شركة شيكان ثم، وبعد سطو الانقاذ علي السلطة التحق بالجيش في 1992 . وكغيره من كوادر الحركة الاسلامية، حقنوه فورا بجرعة التمكين فإستوعبوه برتبة العميد بأقدمية خاصة فقز بها الي الرتبة التالية في غمضة عين. ترقي في أول كشف وأصبح مديرا لإدارة الشئون المالية بالقوات المسلحة خلفا للواء الكفء محمد إسماعيل مجذوب! الركابي لم ينل من التدريب العسكري سوي أساسيات كاديت ثانويات الزمن القديم، “صفا – انتباه وإسترح “ . بعدها هبطت عليه ليلة قدر متعددة الطوابق مثل مسكنه، فإنهالت عليه عضويات مجالس الادارات المختلفة فتخيّر المرافق الشَحِيمَةٌ شاكلة: بنك أمدرمان الوطني، شركة كرري للطباعة والنشر،شركة غزة للنقل، شركة الراعي اللإنتاج الزراعي والحيوإني، شركة شيكإن للتامين وإعادة التامين، شركة الأمن الغذائي، شركة النقاء للخدمات الصحية وتتناقل الانباء أنه أرسي علي إبنه عطاءا لتشجير سلاح المدرعات وبعض المعسكرات الاخري دون طرح العطاء في مناقصة.
في برقيته رقم م. ت. و. سري، بتاريخ 14 ابريل 2015، إعترف الركابي ببيعه زملائه في الجيش عبوات من زيت طعام (بسمة) المسرطن الذي إعترضت عليه هيئة المواصفات والمقاييس وقالت أنه غير مطابق للمواصفات (غير صالح للاستخدام الادمي).
يقال أن البشير إختار الركابي كوزير للمالية لما له من صلات قوية وتعاون مستمر مع شقيقه العباس. أتذكرون التركي أوكتاي مدير شركة (سور) التي تقوم بتوريد الملابس العسكرية لكل أفرع ووحدات القوات المسلحة السودانية ؟
حسنا، فالتركي أوكتاي هو شريك العباس في شركة سور بنسبة 34%. المتسرب من معلومات يقول أن الفريق الركابي إبان توليه الادارة المالية في القوات المسلحة هو من أشرف شخصيا علي إرساء ذلك العقد علي شركة أل البيت. وكرد علي ذلك الجميل وافق الثنائي أوكتاي /العباس علي مكافأة الركابي علي صنيعه فقاموا بتعيين شقيق زوجته، عادل الطريفي عبيد، كأحد مدراء “ سور “. ومع التسليم بمقاصد الاية الكريمة (ولا تذر وزارة وز أخري) إلا أن كثيرا من التقارير المنشورة حرصت علي الاشارة الي أن شقيق وزير المالية هو احمد سليمان الركابي، مدير شركة «جسكون» وأحد المتهمين الاساسيين في قضيه الاقطان الشهيرة.
عندما يكون الصمت علي الكوارث جريمة وحجب المعلومة فساداً: صابر حسن نموذجاً
في يوليو 2009 وفي حفل تأبين لفقيد السودان الاقتصادي الفذ خوجلي أبوبكر كان د. حسن (محافظ بنك السودان يومذاك) ينعي للحضور الانيق موت إقتصاد السودان مسهبا في توضيح فشل ماأسماها (أدوات الهندسة المالية Financial Engineering Tools ) في علاج تبعات الازمة العالمية التي كان تضرب اقتصادنا ضمن غيره من الدول. بيد أن وزير المالية الغوغائي، (عوض الجاز)، وقف علي النقيض ومابرح يذكر الناس صباحا ومساء بأن بلادنا محصنة ضد تلك الكارثة العالمية بل وذهب لحد شكر المقاطعات الأمريكية وعدم إرتباط السودان بالدولار!! إعترف صابر، سرا، للحضور ان إنفصال الجنوب الذي سعت له الانقاذ بظلفها وذبح له الخال/الحلقوم ثورا اسودا، سيكلف الخزينة (بعد عامين من ذلك اليوم) نصف ايراد ميزانيتها العامة رغم ان إسهامات النفط لا تتعدي 10% من الناتج المحلي الاجمالي. بيّن د. صابر ان خياراته كمحافظ لبنك السودان محدودة جدا بل ينطوي بعضها علي مخاطر واستتباعات جانبية خطيرة . قال أن أسهل خياراته المتاحة وأسرعها وأقلها كلفة هي طبع كميات ضخمة من النقد الورقي لسد العجز. غير أن هذا الاجراء سيزيد معدلات التضخم فورا و سيؤدي لاضطراب سعر الصرف خارج نطاق السيطرة. أما الآلية الثانية فذكر أنها تتمثل في زيادة الضرائب لتحميل المواطن أعباء تمويل العجز في الميزانية لكنه سارع للاعتراف بأن المواطن لم يعد ذي بطن تسع لشد حزام التقشف عليها بعد أن ذهبت الجبايات بكل شئ . أما خيار الاقتراض من الاصدقاء، وهو ثالث ادوات الهندسة المالية، فإستبعده تماما لتشابه ظرفهم الاقتصادي بظرفنا وحتي لو ساعدوا، كما أستطرد، فسوف يستحيل عليهم أن يقدموا للسودان نصف ميزانيته – وهو الاحتياج التمويلي الضاغط. أما الاقتراض من السوق المالي الدولي فقال أن إشكاليات المقاطعات الامريكية تجده خيارا صفريا ولن تقبل مؤسسات الاقراض (التجاري والرسمي) بهم حتي ترضي عنهم اليهود والنصاري! ختم صابر حديثه بأن الآلية الاخيرة المتبقية أمامه تتمثل في خفض الصرف علي الانفاق الحكومي والالتزامات المترتبة عن بنود الصرف علي الامن وحصص دعم الولايات ومرتبات ومخصصات الدستوريين ووزاء الدولة ألخ. قال بأنه لا صلاحيات له تخوله اتخاذ أي اجراء في ذلك الخصوص (فهذا قرار سياسي وسيادي أنا مامسؤول منه) – رمي مقذوفاته وجلس بيننا!
ما يهمنا في ماأوردناه من حديث صابر 3 نقاط:
1- في ذلك الوقت المبكر، قبل 9 سنوات تماما، علم الرجل يقينا أن الدمار الشامل قد أطبق علي إقتصاد بلادنا. لكنه وبدلا من مفاتحة الشعب بهذه الحقائق والاعترافات الداوية إختار مجلسا خاصا في قاعة الصداقة ليبوح بمكنونه، وبالنتيجة بقي الحديث في عداد الاسرار غير القابلة للنشر! إستتباعا، ظل الكذب وشراء الوقت هو ديدن كل من خلفه في ذلك الكرسي / الثدي الذي ظل مبذولا للرضاعة بسخاء لا يرد محافظا أتاه جائعا.
2- المتحدث يومها كان المسؤول الاول في الجمهورية الذي تدور بين أصابعه ويتحكم في مفاتيح وأزرار السياسات النقدية والمالية، فبأمر منه يضخ مصرفه المركزي البانكنوت، وبأمره تمتص البنوك وأوعية الاستثمار في الدولة أي كتل نقدية فيتفاعل السوق إرتفاعا وأنخفاضا، وبأمره يستقر أو يتذبذب سعر الصرف وبأمره تتراجع أو تتزايد معدلات التضخم ويزيد الانفاق أو ينكمش. باختصار، إذا عطس د. صابر حسن أصاب الزكام كل قطاعات الاقتصاد السوداني من واقع نفوذه ووظيفته ونمطه الاداري الذي لا يري قدسية إلا لمرئياته وحده، ولا أحد سواه. بل وتسربت سوسة الفرعنة لعظام الرجل بعد أن كنكش في كرسي المحافظ وحاز علي لقب لن يتأتي لبشر بعده (خدم لاجمالي فترتين بلغتا 16 عاما، الاولي من مارس 1993 – أبريل 1996 والثانية من مارس 1998 حتى 7/3/2011 وترأس خلال ذات هذه الفترة مجلس إدارة شركة السودان لمطابع العملة).
3- في عهد صابر بدأت وتشكلت الجريمة الوطنية الكبري وهو ادخال البلاد في متلازمة الاستدانة والاقتراض بشهية مفتوحة ومن أي مكان، وبلا حساب. وإبتدع أسلوبا فريدا في “ الصهينة “ علي أقساط الديون واجبة السداد فلم يستخدم مليما من عائدات النفط لاطفاء أي دين أو أي جزء من المديونية ! فصابر الذي عاصر “ الفورة النفطية “ منذ إستهلالها بشحنة 600 الف برميل الي اليابان في عام 1999 ظل كالقيصر في إمبراطوريته، لا يسمح لأحد بالاقتراب أو أبداء الرأي. فبقي منهمكا يستلم ايرادات النفط المليونية يوميا بيد، ويقبض بالاخري ريالات المغتربين محوَلة من البنك السعودي الهولندي بالرياض، فيتصرف في كليهما كالمالك في ملكه!
انت وكل أهل دارك، وحتي رضيعكم، مطلوبون 27الف دولار للفرد ا!
بحسب إحصاءات التفاعل الرقمي اليومي المبنية علي أرقام الأمم المتحدة، فان موقع قياس السكان المعروف، ورلدميتر، في أخر نشراته الصادرة أمس (https://goo.gl/vecgJ8) أفاد أن سكان السودان بلغ 41,511 مليون نسمة. وبقسمة إجمالي ديننا الخارجي و فلوس النفط المنهوبة يتضح أن كل منا مخنوق بدين مطبق علي رقبته مقداره 27 الف وثلاثمائة ثلاثة وسبعين دولار وتسعة واربعين سنتا لا غير ((27,373.40!!
ماهو الحل؟
لا خيار سوي تصرف واحد: دفن النظام فورا في الهوة السحيقة التي رمانا فيها وتركه جيفة فيها ومن ثم التراصص للصعود الي قمة الجبل مجددا.
لا سبيل لانقاذ بلادنا الا بطمر هذا النظام اليوم، وفورا.