تعالوا نقرأ معاً وبهدوء شديد خبر عودة السيد الإمام الصادق المهدي من منفاه الاختياري في التاسع عشر من ديسمبر المقبل، مقترناً بخبر إصدار نيابة أمن الدولة أمر قبض في مواجهته، وهو كما نعلم جميعاً لا يمثل نفسه، بل يمثل حزبه (الأمة القومي) وكيان الأنصار، ومجموعة نداء السودان التي يرأسها، وقد أحدث فيها للأمانة والتاريخ اختراقاً خفف من غلواء وتطرف بعض عضويتها المشهود لهم بالتشدد وعدم قبول مناقشة أمر الحوار مع الحكومة أو مع أي جهة يمكن أن تسوقهم إلى خط السلام دون أن تضع من ضمن أهدافها إقصاء المجموعة الحاكمة الآن عن مقاعد الحكم، وتقديمها للمحاكمات كما كانوا يقولون.
قبل أيام أعلن السيد رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير عن ترحيبه بعودة السيد الإمام الصادق المهدي، وأي معارض حتى ولو كان حاملاً للسلاح للانخراط في العملية السلمية، وكذلك فعل وقال بعض نواب الرئيس ومساعديه باستثناء مساعده اللواء عبد الرحمن الصادق المهدي الذي لا يستطيع أن يقول شيئاً في هذا الموضوع لحساسية موقفه الشخصي بحسبان أنه أصبح جزءاً من النظام القائم الحاكم، وبحسبان أنه نجل المعارض العتيد للنظام رئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار.
ما بين الترحيب الرسمي بعودة السيد الإمام الصادق المهدي وصدور أمر قبض في مواجهته تحت سبع مواد اتهام من القانون الجنائي، من بينها الاشتراك الجنائي في تقويض النظام الدستوري، والتحريض ضد الدولة، وإشاعة الفتن، والتجسس ونشر الأخبار الكاذبة. نقول إنه ما بين ذلك وتلك تناقض عجيب في الموقف السياسي، والموقف الأمني من عودة السيد الصادق، الذي عادت كريمته الدكتورة مريم الصادق يوم أمس من لندن، والتي كانت قد فقدت فيها جواز سفرها، ولا نعرف بأي جواز كانت عودتها أمس، هل كانت بجواز سوداني أم غاني أم بوثيقة سفر إضطرارية.
ما علينا، نقول إن التناقض في المواقف من عودة الإمام ليست في صالح عملية السلام، وقد يرى البعض أن أسباب صدور القبض في مواجهة الصادق المهدي تعود الى زيارته هولندا ولقائه مع هيئة ما يسمى بالمحكمة الجنائية الدولية، وفي هذا – بالطبع – ربط غير موضوعي لأمر مفترض لتلك الزيارة وذلك اللقاء الذي لا نعرف إن تم أم لم يتم، ولكنه لن يكون مؤثراً في المواقف، ولا نرى أن السيد الصادق المهدي قد تغير موقفه الرافض منذ البداية لتوجيه أية اتهامات في مواجهة السيد الرئيس عمر حسن أحمد البشير ليس لأنه مواطن سوداني فحسب، بل لأنه يمثل كل أهل السودان ويعدّ رمزاً للوطن وأهله.
نطالب العقل السياسي أن يمتزج بالعقل الأمني وأن تتحد الإرادة الوطنية وتتفق على ضرورة (شطب) هذه البلاغات، والسماح بعودة الإمام الصادق؛ حتى نكسب من الجهد والوقت والأمل أكثر مما خسرنا.
هذه الرسالة نبعث بها في البريد السياسي إلى قيادات الدولة وقيادات الحزب الحاكم، باختصار للسيد الرئيس ونوابه ومساعديه، كما نبعث بها في البريد الأمني ونضعها أمام مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني السيد الفريق أول مهندس صلاح عبد الله محمد صالح (قوش) ومعاونيه.
ونختم بأن نترك كل أبوابنا مفتوحة، وقلوبنا كذلك لاستقبال كل مواطن حادب على مصلحة الوطن ومصالح أهله، حتى وإن كان من حملة السلاح، والإمام من دعاة الجهاد المدني بعد تجارب لم تفضِ لنتيجة عندما نازل النظام بجيش الأمة الذي استحق أن نترحم عليه الآن بعد سنوات من الحل والتشتت.