(1)
قبل فترة قررت سفارة السودان في واشنطن الإمتناع عن توثيق شهادات جامعية عليا صادرة عن مؤسسة تحمل إسماً علمياً تضعه بكل فخر على أوراقها دون ان يكون لها نشاط علمي معترف به داخل امريكا. ولكنها فقط تمنح شهادات دكتوراه للراغبين بمقابل مالي!
وبإمكان أى شخص ان يشترى شهادة دكتوراه من هذه المؤسسة، ثم يذهب بالشهادة الى القسم القنصلي بوزارة الخارجية الامريكية فتقوم الوزارة بتوثيق الاسم والخاتم الموجود على الشهادة. والمعلوم ان التوثيق في الولايات المتحدة، وفي غيرها، يكون فقط لإسم المؤسسة والتوقيع والخاتم، وليس لمحتوى الوثيقة.
وفي غالبية دول العالم تقرأ مع التوثيق هذه العبارة (وزارة الخارجية لا علاقة لها بمحتوى هذه الوثيقة وتصادق فقط على صحة توقيع فلان وخاتم المؤسسة الفلانية). ولأن المؤسسة موجودة فعلا في الولايات المتحدة، ولها موقعين (بتشديد القاف، اي من يقومون بالتوقيع) وخاتم رسمي يخصها، فإن الخارجية الامريكية لم تكن تتواني عن توثيق تلك الاوراق.
دأب بعض الاحباب من السوادنة على موافاة القنصلية السودانية بواشنطن بتلك الشهادات طالبين التأمين على توقيع وخاتم الخارجية الامريكية. وكانت القنصلية تفعل بالطبع إذ ان مسئوليتها تقتصر، كما ذكرنا، على الاقرار بصحة خاتم وتوقيع الخارجية الامريكية.
(2)
ولكن كان هناك من رجال السفارة السودانية بواشنطن ونساءها من حزّ في انفسهم ان يكون السودان ضحية لمثل هذا العبث، وأن يكونوا هم من الشهداء على هذا الصنف من التزوير الفاضح والجرأة الشاطحة، بل ومشاركين فيها بوجه من الوجوه، فاجتمع أمرهم على الامتناع عن توثيق تلك الشهادات.
غير أن اصحاب الشهادات، او بالأحرى المشترين، لم يكونوا من غمار الناس ممّن يجوز عليهم الرضا بفرمانات موظفي سفارة واشنطن والخضوع لها. ومن هم هؤلاء الموظفون اصلا ليحرموا بقراراتهم الجائرة (المتدكترين) من شهاداتهم؟! يا لهم من ظلمة مفترين. لا (يتدكتروا) ولا يخلوا الدكتوراهات تتنزّل على العباد؟!
ذهب المتضررون الى محام سوداني عتيد، شديد ولضيض، من عتاة اهل القانون. محامي يهزّ ويرز. ومن آيات هزّه ورزّه أنه تولى منصبا وزاريا رفيعاً في فترة حساسة من تاريخ السودان، وكان له دور بارز ومشهود في الشأن الوطني. ما علينا. كل ما يهمنا هنا هو ان هذا المحامي المحترم نهض في الدفاع عن (حقوق) اصحاب الشهادات الامريكية تلك في مواجهة وزارة الخارجية السودانية وسفارتها في واشنطن فأراهما نجوم الليل في عز الظهيرة، وبالقانون، حتى عرفا ان الله حق، ورضيا من الغنيمة بالتوثيق! والقانون، كما كررنا، يلزم السفارة بتوثيق خاتم الخارجية الامريكية طالما كان خاتمها صحيحا بصرف النظر عن مضمون الوثائق الموثقة. والكل فداء القانون!
الخلاصة ان سفارتنا في واشنطن عادت، راغمة وصاغرة، الى توثيق الشهادات الصادرة عن تلك المؤسسة التي يعلم القاصي والداني في بلاد الفرنجة اصلها وفصلها. مبروك للدكاترة، وما ضاعت دكتوراه وراءها مُطالب مسنود بمحامي مقتدر.
(3)
طيب خذ هذه، يا رعاك الله، فوق البيعة، ولست ادري ان كانت بعض صحف الخرطوم قد نشرتها: العنوان: (مجلس الجامعات في يوغندا يسحب ترخيص جامعة بوسوغا). محتوى الخبر: (سحبت الحكومة اليوغندية ترخيص جامعة بوسوغا بعد منح الجامعة شهادات بكالوريوس لما يقارب 300 مبعوث من جنوب السودان بعد كورس لم تتجاوز مدته ثمانية اسابيع. واتضح ان جميع الطلاب المبعوثين شخصيات قيادية في حكومة الجنوب وجنرالات في الجيش الشعبي لتحرير السودان). يا سلام. العلم نور!
(4)
أشعر دائما بسعادة غامرة لكوني من الكتاب الصحافيين الذين يتلقون بريداً راتبا ومنتظما من عدد كبير من القراء داخل السودان وخارجه، واحرص برغم كثرة مشغولياتي على الرد على كل رسالة ولو بسطر واحد. وقد لاحظت – عبر السنوات – ان نسبة مقدرة من القراء تخاطبني ب: الدكتور مصطفى البطل (ربما بسبب كثافة أبخرة العلم الغزير الذي أهدره في مقالاتي وأعمدتي، فظنوا انها لا يمكن ان تصدر إلا عن دكتور). بيني وبينك، أعزك الله، فإن هذا النوع من الخطاب ظل ولعهد طويل يدغدغني ويهدهدني ويثلج صدري، فلقب الدكتور، تبارك الله، له مهابته وجلاله ومقامه (قبل ان يصيبه ما أصابه مؤخرا فيتحول من وسام رفيع الى عاهة مستديمة).
بيد أنني أود اعتبارا من اليوم، الأحد الحادي والعشرين من مايو 2017، أن ألفت انتباه جميع قرائي الكرام بأنني لست دكتوراً، ولم يسبق لي ان تدكترت ولا رغبة لي في الدكترة، ومن مأثورات القذافي: “من تدكتر خان”!
كما أود، وبكل الاحترام والتقدير، ان اتوجه بالخطاب الى مقام رئيس الجمهورية ومعالي الخال الموقر رئيس الوزراء، بأنني حاصل على درجتي ماجستير، وأنني على اكمل استعداد لخدمة الوطن الغالي في منصب وزير، لأى وزارة ترونها مناسبة، في حدود هذا التأهيل الاكاديمي فحسب!
mustafabatal@msn.com