لقد حكم البشير السودان حوالى ثلاثين عاما وفشل ومظاهر فشله واضحة حتى أوصل الناس وحال السودان إلى ماهو عليه الآن، وهو أمر لا يحتاج الي شرح وغير قابل للانكار والمغالطات والدفاع عن بقاء النظام ورئيسه هو نوع من انواع المغالطات. ولم يعد مستصاغا أو مجديا أن تدافع عن ذلك كوادر الجبهة الاسلامية.
أم هل يا ترى أن تنظيم الجبهة الإسلامية قد كفر بالله ورسوله واستدار على كل شعاراته والتف على دماء كوادره وكل مجاهداته التى كان يدعيها في سبيل الله، وانتهى بكل كوادره إلى مجرد حرس وقتلة يدافعون عن رجل فاشل ومنبوذ ليس داخل وطنه فقط وإنما في كل العالم..
ليس من مبرر واحد يجعلكم تضحون بكل مستقبلكم من أجل هذا الرجل الذى استنفذ كل صلاحياته خلال الثلاثين عام الماضية التى كان فيها حاكما فردا وما عاد عنده ما يقدمه. وأصبح الان يصارع فقط لينجو بنفسه من الملاحقة لأطول مدة ممكنة، ولكن هيهات فإن قضاء الله نافذ ومصيره قد كتب وقرار ذهابه وطى صفحته قد مهرها الشعب السودانى بدم الشهداء في كل مدينة من مدن السودان..
علي كوادر الجبهة الإسلامية أن يفكروا بهدؤا ويفكروا كثيرا ويعيدوا النظر مرارا وتكرارا في هذه المواقف المتشنجة وفي المآلات الممكنة وما يدفعهم إليه البشير من مواجهة مع الشعب بسبب ظروفه الخاصة، وما جنته أيديه في حق الشعب والوطن. وعلى العقلاء من كوادر الجبهة الإسلامية ان يعلموا أن معركة الشعب السودانى مع النظام الآن معركة حقيقية وحاسمة وليس سجالا سياسيا. فلا تأخذكم العزة بالاثم فتصدقوا من يقولون لكم أن كل هذه الجموع الهادرة من شعب السودان هى كوادر القوى السياسية الأخرى المعارضة لكم، لتستحلوا قتلهم وتبرروا لانفسكم مواجهتهم في اطار ما تتوهمونه من صراع سياسى ما كنتم تلتزمون فيه بأي خلق أو قيم. هذه المرة المعركة ليس كمعارك اتحادات للطلاب وإنما هي معركة وطنية شاملة. معركة شعب كامل بما فيه من القوى السياسية مع تنظيم معزول وفاشل وفاقد للمنطق والشرعية، ولا يملك من مقومات الصمود غير الجشع والحرص على حماية ما نهب من مال وغير محاولات الهروب من المحاسبة. الوطن أصبح في مرحلة حرجة ومفصلية، وهو الآن بين ان يكون ويبقى وطنا عزيزا لكل أهله، أو لا يكون إلا وطنا ذليلا منهارا وللكيزان والمنتفعين معهم فقط.
اذا هي معركة فاصلة بين من يقاتل وهو على حق وبهمة عالية من أجل أن يعود السودان وطنا عزيزا يشعر كل مواطن فيه أنه صاحب حق أصيل فيه، أو يبقى أرضا محتلة وأهله رهائن تحت سطوة منظومة فاسدة وفاشلة ستستمر تورده موارد الفناء كما كانت تفعل خلال الفترة الماضية.
وليس من العقل أن ينتحر حزب كامل ومئات الكوادر من العقلاء في سبيل الدفاع عن شخص مصيره معلوم ونهايته حتمية وعن نظام فشل وينهار الان من تلقاء نفسه وفى إطار معادلة غير متكافئة بين الشعب والنظام.
ان جبنتم عن قول الحق والطلب من البشير أن يذهب إلى حاله ويترك الحكم، أليس فيكم نساء ورجال راشدين ليحددوا موقفهم قبل فوات الأوان ويعلنوا رفضهم ان يساقوا إلى حتفهم بواسطة البشير من خلال الدفع بهم فى مواجهات ومعارك خاسرة مع كل الشعب السودانى.؟؟؟
لعلكم صدقتم أن كل هذه القوي النظامية في الدولة هي معكم، وحسبتم انها ستقف معكم في المواجهة مع الشعب السوداني حتى آخر طلقة؛ ومن يظن ذلك منكم فإنه مخطئ كثيرا بلا أدنى شك، وعليكم الان أن تستعجلوا الخطى نحو إنقاذ ما يمكنكم إنقاذه قبل فوات الآوان والا فإنهم يتقدمون إلى انتحار كامل سيقضى عليهم وعلى مستقبلهم السياسى.
لان السودان وطن مختلف وهو ليس مثل سوريا، ونظام الانقاذ كما يعلم الرأي العام وكما تقولون انتم ذاتكم هو نظام معزول دوليا، ولم يعد تنظيمكم السياسى يمتلك اي امتدادات وحواضن دولية يمكن ان تعينه في معارك طويلة الأمد وخاصة ضد شعبه مثلما حدث مع الأسد والحوثىحتى يتمكن من الاستدارة على المعارضة أو الوصول معها إلى اتفاقات تمكنه من الدخول كلاعب في المستقبل فضلا عن خروجه آمنا على الأقل.
كما أن موجة الاصطفافات العقائدية والتداعيات على أساس الشعارات التي كانت فى الثمانينات مرورا بالتسعينات وبداية الألفين، قد تلاشت بعد هزيمة داعش وطالبان وسقوط مرسى وبوار مشاريع هذه الجماعات الفكرية على تجاربهم في الحكم، واحتراقها على أرض الواقع كما حدث في دولة طالبان وداعش، والتجربة المنفردة لحكم الجبهة الإسلامية فى السودان قد أضافت أكبر الدلائل على بوار القيم والمشاريع الإسلامية التي كانوا يدعونها ويستميلون بها عواطف الصادقين من المسلمين في مواقع عديدة في العالم، ولم يعد الان يصدقهم أحد في ظل ما اوصلوا اليه السودان من فشل وما قدمه كوادرهم من نماذج للفساد وسؤ الاداء، جعلت منهم مضرب الامثال لبوار المشروع الفكري والسياسي الذى قامتعلى الجبهة الإسلامية مما أثر على مصداقية تنظيمات الإسلام السياسي في كل العالم.
الموقف الأسلم للكوادر الجبهة الاسلامية أن هو أن يخرجوا إلى الملأ، وخاصة الكوادر الصادقة وأهل الانضباط الإسلامى وكبار السن فيهم، ويعلنوا إنهاء دعمهم للبشير، ويحملوه الفشل الذى لازم الاداء المنفرد في الفترة الماضية ويعلنوا خروجهم من المؤتمر الوطني، ويعترفوا بسؤ تقديرهم ثم يطلبون الصفح، لعل الشعب ينظر في أمرهم ويوافق على تقديمهم لمحاكمات عادلة.
الأولى بهذه الكوادر الآن أن تنشغل باعادة النظر في تجربتها ومواقفها المعلنة الحالية، وبكل هدوء وبلا حماقة، حتى تستبين الأمر ولا تقدم على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الشعب، الشئ الذى سيضيق فرص قبولها من جديد كأفراد أو مجموعات، ويجعل ذلك امرا مستحيلا ويضعهم وما يملكون هدفا مشروعا للجماهير الهادرة والمجروحة والمقتولة بايديهم.
الأمر الواضح والحقيقى أن البشير، سواء بأدائه البائس أو بفساده وفساد أسرته أو بعامل العمر، فانه ذاهب ذاهب بلا شك من تلقاء نفسه أو بحكم العمر، أو تحت إرادة شعب جبار ومجرب ولا يقبل استمرار الاهانة، واى رهان على وجوده واستمراره بالحكم، هو رهان على المية في الغربال كما يقول المثل، فلا يخدعن أحد من كوادر الجبهة نفسه ويتوهم القدرة على تجاوز هذه المرحلة غير المسبوقة حيث النظام محاصر من كل الاتجاهات ولا خيار أمامه الا الاستسلام. فلا تسوقوا النظام وقواته النظامية إلى مواجهات معلومة النتائج مع الشعب. ولا تظنوا أن القوات النظامية ستواصل إطلاق النار على الشعب إلى الأبد وإنما هى لحظة ريثما تستبين هذه القوى شكل المعركة واصطفافاتها ثم تستدير إليكم لتذيقكم طعم الألم والجرح في سبيل أن يبقى الوطن، عندما لا يبقى أمامها الا خيار أن تذهبوا انتم أو يتلاشى الوطن…