محاولات، وخطوات توسيع خارطة الدم العربي مستمرة، وبعدما تمت وتتم إراقة الدم السوري بكثافة موجعة، عقب انتفاضة شعبية على نظام ديكتاتوري غاشم، هاهو النزف يتواصل في الجسم العراقي، واليمني والليبي، وهناك حروب قتلت وتقتل آلاف السودانيين، رجالاً ونساءً وأطفالاً في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
في مناخ تفوح منه رائحة الدم في أكثر من بلد عربي، بدا واضحا أن مؤامرة كبرى تستهدف النيل من مواقع الحيوية في الجسد العربي، الذي أنهكته الصراعات والخلافات، ويلاحظ أن في أجواء تصاعد التوتر في المنطقة العربية ترتفع معدلات ” نشاط” ارهابيين محليين، بمعاونة إرهابيين قادمين من دول أخرى .
” مصاصو الدماء” يعرفون أن الجسد العربي منهك، ومثقل بالهموم والصراعات والمؤامرات ، ولهذا السبب وضعوا في صدارة أولوياتهم حاليا ضرب قطبين كبيرين في العالم العربي والإسلامي ، عبر عمليات إرهابية بدأت منذ سنوات، وما تزال تطل بوجهها البشع من وقت لأخر، في مصر والسعودية.
مصر والسعودية تشكلان حاليا ” العمود الفقري” للأمة العربية والإسلامية، وكانت سوريا والعراق تمثلان عنصرين أساسيين في قوة البنيان العربي ، وهذا يعني أن أية محاولة لإثارة الاضطرابات والفوضى في مصر والسعودية تشكل تهديداً خطيراً، ليس للبلدين فحسب، بل للأمة كلها من المحيط الى الخليج.
هنا تبدو أهمية ادانة ورفض ومواجهة أية أعمال إجرامية بربرية تقع في العاصمتين المهمتين، القاهرة والرياض، البلدان يشكلان معاً صمام أمان للأمة العربية الإسلامية، أما بالنسبة للسودانيين فان استقرار مصر والسعودية يدعم استقرار السودان.
قوة العلاقة الاستراتيجية، لا ” الانتهازية” مع هذين البلدين وبقية دول الخليج والدول العربية والإسلامية تمثل مصدر استقرار وأمن للسودان الذي ينبغي أن يكون حريصاً على أمن مصر والسعودية كخيار استراتيجي ثابت.
في ضوء هذه القناعة فان الهجوم الدموي على عشرات المسيحيين المصريين في صحراء المنيا بجنوب مصر، هو بكل المقاييس جريمة بشعة، ارتكبها من دون ادنى شك ” ارهابيون” قتلوا 28 شخصاً واصابوا آخرين.
هذه حلقة من حلقات مؤامرة تستهدف مصر، بتاريخ التسامح المعهود الذي عُرف به المجتمع المصري، ومًيزه، أي أن هذه المجزرة رسالة انذار وناقوس خطر، يشير الى أن هناك مخططاً لهز الكيان المصري كله، كمقدمة ” ضرورية” لضرب بقية الأجزاء العربية ” الهشة” ، و الرؤية نفسها تنطبق على مرامي وأهداف من يحاولون ضرب الاستقرار والطمأنينة في أرض الحرمين الشريفين.
اللافت في الجريمة ضد أقباط مصر أن منفذيها ارتكبوا الجُرم و نفذوا المذبحة عشية شهر رمضان المبارك، وفي هذا التوقيت رسالة لا تقل بشاعة عن الجريمة نفسها، وهم يريدون بذلك ارسال رسالة لا علاقة لها بالإسلام، دين المحبة والتسامح والوئام، إنها رسالة دموية بشعة ، تسعى لتوسيع خارطة الدم في الجسد المصري والعربي.
يلاحظ أيضا أن الجريمة ضد الأقباط وقعت غداة اختتام القمة الإسلامية الأميركية في السعودية برئاسة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الأميركي دونالد ترمب، أي أن ما جرى يعكس رسالةً، تتحدى قرارات القمة، التي ركزت على مكافحة التطرف والإرهاب وتجفيف منابع دعمه.
هذا يعني أن ما جرى للمسيحيين المصريين سيختبر مدى التزام المشاركين في القمة الإسلامية الأميركية بقراراتهم وكيفية تطبيقها، وسيضع هذا الرئيس الأميركي أمام أول اختبار من نوعه بعد قمم الرياض الثلاث (السعودية الأميركية، والخليجية الأميركية، والإسلامية الأميركية”، وسيتضح ما إذا كان ترمب جاداً في مواقفه الداعمة لاستقرار العالم الإسلامي، أم أنه استخدم قمم الرياض منبراً، للهروب من مشكلاته الداخلية المتفاقمة مع القضاء والصحافة وأجهزة أمنية.
في هذا السياق يبدو واضحاً أن الهدف من مسلسل استهداف المسيحيين، كما جرى في أحداث عدة، وبينها ما جرى قبل أشهر من ضرب مميت في العريش للمسيحيين بهدف تهجيرهم، يركز على إحداث شرخ في نسيج المجتمع المصري، من خلال دفع المسيحيين الى مواجهات مع المسلمين تحت تأثير الغضب، وكان تكرر مشهد شباب مسيحيين يتظاهرون – كما حدث أمس- أمام مستشفيات أثناء انتظار جثامين ذويهم، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث غدا.
ما يجري في مصر، يتطلب دعماً اقليميا ودولياً للقاهرة، كي تتجاوز المشكلات الداخلية، لأنها تمثل – رغم ما يحيط بها من تحديات ومشكلات – قلباً عربياً واسلامياً، كان وسيبقى نابضاً وحيوياً ، ومهماً للدول العربية والإسلامية والعالم ، وللانسان العاشق لنبض التسامح والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في مصر ، وفي اي بلد.