كانت دعوة قوى إعلان الحرية والتغيير جماهير الشعب السوداني إلى الخروج في تظاهرات هادرة ظهيرة السادس من أبريل 2019م الضربة القاضية لنظام الإنقاذ الذي جثم على صدر المواطن السوداني ثلاثين عاماً، وذلك بما يمثله أبريل من رمزية للشعب الذي استطاع من قبل في 6 أبريل من عام 1985م اقتلاع نظام مايو.
زحفت الجماهير صبيحة السادس من أبريل 2019م، وبدأت الخرطوم صبيحة ذلك اليوم أشبه بمدينة خاوية على عروشها لا تكاد ترى فيها إلا بعض المارة، ولكن فجأة ومع اقتراب موعد انطلاق مواكب الاحتجاجات التي دعت إليها قوى الحرية والتغيير دبت الحياة في قلب المدينة، وشوهدت الجماهير وهي تزحف عند الواحدة بتوقيت الثورة نحو مباني القيادة العامة من كل طرقات الخرطوم، وكان شارع السيد عبد الرحمن الأكثر ازدحاماً بالمحتجين، فضلاً عن الشوارع الأخرى، على الرغم من انتشار القوى الأمنية بكثافة وسط العاصمة.
وبالقرب من مستشفى الزيتونة جرت عمليات إطلاق نار وغاز مسيل للدموع من السطات على المحتجين، فيما شهدت الطرقات الأخرى عمليات كر وفر بين الطرفين، وعلى الرغم من محاولات التصدي تلك، والتي شملت أيضا حملات اعتقال واسعة للمواطنين، إلا أنهم استطاعوا الوصول إلى مباني القيادة العامة للجيش، ومن هنا كانت حكاية بداية أكبر اعتصام تشهده البلاد.
محاولات فض الاعتصام
في اليوم الأول لاعتصام القيادة العامة السبت السادس من أبريل دخلت الجماهير في حالة فرح هستيري، وبدأت الجموع تتزايد، وحاولت القوى الأمنية تفريق الاعتصام بإطلاق الرصاص، والغاز المسيل للدموع مرة أخرى عصر ذلك اليوم.
وكانت المحاولات من الاتجاه الجنوبي الغربي والشمال الغربي للقيادة العامة، وعند صبيحة اليوم الثاني والذي وافق الأحد السابع من أبريل قامت الأجهزة الأمنية بإعتقال الخارجين من مقر الاعتصام، وعند الظهيرة كثفت القوات الأمنية من عمليات الاعتقال بمنطقة الخرطوم شرق وفي كل الطرق المؤدية للقيادة.
هجوم على المعتصمين
ومع تواصل الاعتصام لليوم الثالث على التوالي كان فجر الاثنين الثامن من أبريل يوماً استثنائياً بالنسبة للثوار حيث لقى أحد الشباب مصرعه وأصيب حوالي 20 آخرين من المتظاهرين والقوات الأمنية إثر محاولات فض الاعتصام.
وقال شهود عيان حينها إن الهجوم الأول على الثوار المعتصمين أمام القيادة كان الساعة الثانية و45 دقيقة من فجرذاك اليوم ، وتكررت محاولات قوات الأمن مرة أخرى عند الثالثة والخامسة صباحاً، إلا أن القوات المسلحة ومعها مجموعات الثوار استطاعت التصدي للهجمات التي استهدفتهم.
إطلاق نار وغاز مسيل للدموع
في فجر الثلاثاء التاسع من أبريل تصدت قوات من الجيش لمحاولات فض اعتصام لآلاف المتظاهرين الذين احتشدوا بالقرب من مقر قيادة الجيش في الخرطوم، عبر إطلاق قنابل الغاز والرصاص الحي.
وقال شهود: “إن عناصر أمنيه وشرطة مكافحة الشغب هم من أطلقوا النار والغاز المسيل للدموع لتفريق المعتصمين”، وأكد تجمع المهنيين أن القوات المسلحة تصدت للقوات المهاجمة للاعتصام، وفتحت بوابات القيادة العامة لحماية المتظاهرين ،وأفاد شهود عيان بمقتل جنديين من الجيش، وعنصر من قوات الأمن في الاشتباكات الدائرة أمام مقر القيادة العامة بالخرطوم.
انتقادات الإمام الصادق
اتهم رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي السلطات بانتهاج وسائل دموية للدفاع عن النظام، وقال إن مسلحين ملثمين يقومون فجر كل يوم بالهجوم على المعتصمين، وهذا ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات.
ومع اصرار الشباب على مواصلة اعتصامهم، سرت شائعات عن كتائب للحزب الحاكم تستعد لهجوم جديد على المعتصمين، وبدأت ساعات الترقب لفجرالاربعاء العاشر من بريل؛ لكون أن الفجر هوالتوقيت الذي دائماً ما تهاجم فيه مليشيات النظام مقر الاعتصام. بدأت مشوبه بالحذر ومع ذلك فقد مر فجر ذلك اليوم بلا هجمات، ومن ثم توافدت أعداد ضخمة من المواطنين لمقر قيادة قوات الشعب المسلحة.
البيان الأول
عند صباح الخميس الحادي عشر من أبريل 2019م أعلنت القوات المسلحة أنها بصدد إصدار بيان هام، بينما انتشرت آليات عسكرية في محيط القصر الجمهوري وقالت مصادر مطلعة بأن ضباطا من الجيش السوداني أبلغوا الرئيس السابق عمر البشير أنه لم يعد رئيسا للجمهورية، وأصدر الجيش تعميما لكافة وحداته أكد فيه استلامه للسلطة وشروعه في تشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد.
وتلا وزير الدفاع الفريق أول ركن عوض بن عوف بياناً أعلن فيه الاستيلاء على السلطة في البلاد وتكوين مجلس عسكري انتقالي لمدة عامين، وقد شملت الإجراءات العسكرية المعلن عنها حل كل المؤسسات الحكومية التنفيذية والتشريعية المدنية وهي: الرئاسة ومجلس الوزراء والبرلمان ومجلس الولايات وحكومات الولايات ومجالسها التشريعية وقد استثنت تلك الاجراءات مؤسسة جهاز الأمن والقوات المسلحة والجهاز القضائي والنيابة العامة والمحكمة الدستورية، وأشارت قيادة الجيش إلى وضع الرئيس المخلوع عمر البشير تحت الاقامة الجبرية.
رفض البيان
وفي أول ردة فعل على بيان القوات المسلحة قال القيادي في تجمع المهنيين السودانيين عمر صالح السناري، في تصريحات لرويترز: إنه لن يتم القبول سوى بحكومة مدنية انتقالية مكونة من قوى إعلان الحرية والتغيير، لافتاً إلى أن التفاوض مستقبلاً مع الجيش حول ترتيبات انتقال السلطة، وتابع بالقول: نحن متمسكون بالمذكرة التي قدمناها يوم السادس من أبريل للجيش.
أتي ذلك في وقت احتشد فيه مئات الآلاف من المتظاهرين في الشوارع المحيطة بمقر القوات المسلحة وسط الخرطوم في تحدٍ واضح لقرارات المجلس الانتقالي بفرض حالة الطوارئ، وحظر التجول من الساعة العاشرة مساء إلى الرابعة صباحاً، وعبر المحتجون عن غضبهم تجاه المجلس العسكري الانتقالي، الذي أعلن فترة انتقالية مدتها عايان كحد أقصى، بعد عزل البشير، الخميس، وطالبوا بتغيير المجلس رئيس العسكري.
وراجت أنباء عن اعتقال عدد من رموز النظام السابق منهم الفريق عبد الرحيم محمد حسين المقرب للرئيس البشير، والنائب الأول الأسبق للرئيس علي عثمان محمد طه، و رئيس المؤتمر الوطني بالإنابة أحمد هارون ، والقيادي بالحزب الحاكم عوض الجاز.
ولعل المؤتمر الصحفي الذي عقده القيادي بالمجلس العسكري الفريق أول ركن عمر زين العابدين صباح الجمعة الثاني عشر أبريل والذي تحدث فيه عن عدم تسليم الرئيس السابق عمرالبشير للمحكمة الجنائية، إضافة إلى حديثه عن أن مدير جهاز الأمن السابق صلاح قوش جزء من التغيير الحاصل الآن. لعل هذا الحديث قد ثار حفيظة الثوار وقوى إعلان الحرية والتغيير، فازدادت الدعوات إلى مواصلة الاعتصام حتى تتحقق مطالب الثوار.
تنحي بن عوف
وعلى إثر ذلك أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان عوض بن عوف مساء الجمعة الثاني عشر من أبريل تنازله عن منصبه، هو ونائبه كمال عبد المعروف، وذلك بعد يوم واحد من توليه رئاسة المجلس، وعزله الرئيس عمر البشير.
وقال الفريق أول عوض بن عوف في بيان للشعب السوداني: “أعلن تنازلي عن منصبي، وتعيين المفتش العام للجيش الفريق ركن عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس العسكري”.
كما أعلن عن تنحي رئيس هيئة الأركان كمال عبد المعروف عن منصبه نائباً لرئيس المجلس، مؤكداً حرص القوات المسلحة على تماسك المنظومة الأمنية في البلاد.
البرهان رئيساً
تولى الفريق أول عبد الفتاح البرهان قيادة المجلس العسكري الانتقالي، وتولى الفريق محمد حمدان دقلو حميدتي قائد قوات الدعم السريع منصب نائب رئيس المجلس، وبذا تكون الثورة قد بدأت أولى خطواتها.