من قلب الخرطوم، حيث كنت وصلتها هذا الصباح، فإن حميدتي بمليشياه المنتشرة كالسرطان في كل مكان، هو سيد الموقف بلا منازع. تشعر بأنه من القوة بحيث يستولي على أي شبر مربع من العاصمة في دقائق ليعلن عن دولته بكل صلف. واعتقد أنه يمضي في هذا الطريق غير عابيء بحديث أهل المدينة. يمضي في طريقه ببطء وحسم معا،
لكن، ورغم كل ذلك، فإن هذا الشعب يملك وعيا يذهل العدو قبل الصديق. تسمع الأمي في الشارع فتبهرك قوة الحجة ونفاذ البصيرة وسعة الصبر. في مشهد ثوري بامتياز…
على قوى إعلان الحرية والتغيير اقتناص هذه اللحظة الثورية النادرة واجتراح مأثرة تليق بهذا العملاق الذي غيب قسرا عن مواقع اتخاذ القرار طيلة ثلاثين سنة من حكم الإسلام السياسي.
في هذا الصدد، يمكن لقوى إعلان الحرية والتغيير، مثلا، أن تبعث برسالة واضحة تطمئن فيها المجتمع الدولي، والإقليمي خاصة، بأن مصالح الأطراف الإقليمية لن تمس خلال فترة حكم الدولة المدنية المرتقب. ويتضمن ذلك، تحديدا، أن جنودنا في حرب اليمن سيبقون فيها حتى يقرر التحالف العربي ما يقرر.
من شأن هذه الرسالة وحدها، أكرر وحدها، أن تلجم طموحات حميدتي وربما تقضي عليه تماما، من خلال التخلص من كرته الرابح في الشأن السوداني. وهو بذلك يتاجر بهذه الحرب ويستثمر عائداتها لترسيخ دولة حكمه. ولابد من التعامل معه بحذر وحزم، وإلا فإن المشهد يأذن بما لا تحمد عقباه.