هل يعجل بالانقلاب ام الانتخابات المبكرة ؟
في تجاربه الثورية الماضية في ١٩٦٤ و ١٩٨٥ لم يتوقف الشعب السوداني كثيرا عند الفترة الانتقالية و لم يهتم كثيرا ببرنامجها ، إذ كان غاية آماله ان تنقله الفترة الانتقالية من عهود الحكم غصبا عن الشعب إلى عهود الحكم برضا الشعب عبر الانتخابات ، و هذا ما كان ، إذ افلحت الحكومتان الانتقاليتان في قيادة الشعب نحو صناديق الانتخابات الحرة و التي اختار فيها الشعب بمحض إرادته من يحكمه .
ما يحدث الآن في ثورة ديسمبر مختلف عن ما سبقه ، إذ أن قادة الحراك الثوري منذ اللحظة الأولى اعلنوا عن فترة انتقالية عمرها أربعة سنوات في اعلان الحرية و التغيير، ثم لاحقا تقلصت الى ثلاث سنوات بعد الاتفاق السياسي ، كما اعلنوا عن برنامج هذه الحكومة الانتقالية طويلة المدة ، و الذي تمحور حول تفكيك التمكين و بناء السلام و الحريات .
نظريا كان اعلان الحرية و التغيير جيدا و مبشرا و لكن عمليا بعد قيام الحكومة الانتقالية ظهرت الصعوبات و الصراعات و التي بدأت مبكرا بإعلان من الجبهة الثورية عن اقصاءها و عدم إشراكها ، ثم لاحقا اعلان الإسلاميين السلفيين عن عداءهم للحكومة الوليدة ، هذا غير الرفض الثابت لهذه الحكومة من تيارات سياسية شاركت النظام حتى سقوطه او انحازت للشارع في المرحلة الأخيرة من سقوط النظام .
الصراع لم يقف هنا إذ بدأ يظهر في الشارع صدى الصراع الخفي بين مجموعات الحرية و التغيير ذاتها و بين كتلها المتعددة ، إذ أن الحرية و التغيير هي تحالف واسع و متباين أملته ظروف الثورة، و حتى اتفاقه حول إعلان الحرية و التغيير كان اتفاقا متعجلا للحاق بالشارع و دعم الثورة، لذلك لم يستوفي هذا التحالف لحظة تكوينه كل الشروط المعروفة في التحالفات و هي الجلوس للاتفاق حول البرنامج التفصيلي و هيكل التحالف و ضوابطه ، و ربما تقاضى الجميع عن هذه الأساسيات أيام الثورة لجهة ان مصير الثورة لم يكن معروفا هل ستنجح ام تتحول إلى ٢٠١٣ أخرى، لذلك حين نجحت الثورة أفرزت هذا الواقع الذي جعل الطيف الواسع لتحالف الحرية و التغيير غير جاهزا بطريقة مؤسسية لقيادة الدولة ، و من هنا بدأت الصراعات الخفية و الصريحة بين فصائل التحالف .
حتى الآن لم تصل الصراعات بين الحلفاء مرحلة تهديد وجود التحالف ، و لكنها تسير في هذا الاتجاه إذ أن البيانات و التصريحات التي تخرج من بعض فصائل التحالف تشير إلى عدم رضا عن ما يجري ، كما أن التحالف يتحدث بأكثر من لسان فبينما تتحدث غالبيته بلسان انها الحكومة فإن تيارات و أحزاب داخل التحالف مازالت تتحدث بلسان المعارضة ، هذا غير وجود من يمسك العصا من النص ، مذبذب بين الحكم و المعارضة، و هي كلها دلائل تشير إلى حجم الحوجة إلى ضبط الخطاب الصادر و توحيد منصة الحديث عبر الهيكلة ، اذ في ظل عدم وجود دعوة واضحة متداولة لضبط هذا التحالف و هيكلته و مأسسته بطريقة تمنع بروز إشكاليات قد تعطل او تبطيء من حركة حكومة الفترة الانتقالية فإن الحكومة الانتقالية ستفشل لا محالة في إنجاز ملفاتها و قد تسقط من نظر الشعب ، و إذا فشلت الحكومة الانتقالية نتيجة صراعات هذه القوى فإن الخيار المحبذ للخروج من المأزق سيكون هو الانتخابات المبكرة او ان يكون الخيار هو حدوث انقلاب آخر داخلي او خارجي على الحكومة الانتقالية ، و هو الخيار المرفوض الذي سيهدر كل إنجازات و تضحيات الثورة و يعيد الجميع إلى نقطة الصفر .
و يبقى السؤال هل قوى اعلان الحرية و التغيير قادرة على التصدي لهذه الخيارات ام انها خيارات حتمية ؟!
sondy25@gmail.com