السؤال الأهم لمصلحة من يتم تجاوز التمكين بقطاع التعليم في قانون تصفية نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين لعام ٢٠١٩؟ لقد بلغ الفساد مداه في عهد الإنقاذ خاصة في مجال التعليم الخاص، الذي تمثل في مئات الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس الخاصة التي أنشئت في إطار ثورة التعليم العالي إبان العهد المندحر من مال الدولة، وعن طريق الإعفاءات الجمركية والإعفاءات الضرائبية المتواصلة طوال حكم الانقاذ.
إن هذا القطاع المتسع الذي تم تملكيه بالكامل لقيادات المؤتمر الوطني، مثلما تم منح المئات من شهادات الدكتوراة والأستاذية بلا أدني وجه حق لكل قيادات المؤتمر الوطني.
إن ما تم من تدمير لقدسية العلم ولهيبة العلماء من خلال هذه الممارسات، إضافة إلي تمليك الجامعات والمدارس الخاصة إلي قيادات المؤتمر الوطني دون حتى سائر حلفاء التنظيم من القوى الأخرى، لهو أكبر وأخطر مظهر للفساد الموروث من دولة الإنقاذ.
لكن لماذا تم تجاوز ذكر هذا القطاع الفاسد الأبرز والأخطر في دولة الكيزان، بتفاصيل قانون القضاء على نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين لعام ٢٠١٩م الذي أعده وزير العدل، وأجازه الإجتماع المشترك بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء قبل يومين.
لقد احتوي هذا القانون الذي افرح كل الشعب السوداني، الكثير من التفاصيل، وتعرض الي العديد من مظاهر وواجهات التمكين في الدولة السودانية الموروثة من عهد الانقاذ، ولكنه غض الطرف عن قطاع التعليم الخاص ممثلاً في المئات من الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس الخاصة.
وهذا لعمري لعيبٌ وقصورٌ كبير في هذا القانون يستوجب المعالجة بالإلحاق العاجل لهذا القطاع بالقانون حتى يتم تصفية أهم أعمدة التمكين في دولة الانقاذ المندحر، والتي خطط قادتها بعناية لتبقى دولتهم العميقة، وتستمر قدراً للأبد، لا يمكن تتجاوزه، وسوسا ينخر في جسد الدولة والمجتمع السوداني ويفسد اجياله المتعاقبة جيلا بعد جيل حتى لو سقط النظام او تبدلت قياداته.
هناك المئات أو ربما الآلاف من المؤسسات التعليمية الخاصة مملوكة لقادة الحركة الإسلامية وبأسمائهم الواضحة المباشرة، ويتردد في الوسائط عدد آخر من اسماء قادة التنظيم غير معلنة الي الان، ولكن يمكن كشفها اذا تم إجراء تحقيقات عميقة وبحث دقيق في الأوراق الرسمية التي توضح مالكي هذه المؤسسات، ومن خلال إجراءات التمليك، وفي حيثيات محاضر مجالس الادارات، ومن سجلات تصريف الموارد المالية لهذه المؤسسات الخاصة.
إن تلازم وقت تصديق وإنشاء هذه المؤسسات الخاصة والضخمة التي تفوق بعضها من حيث المساحات والمباني على الجامعات الوطنية العريقة، في الكيف والعدد، إضافة الى أن ارتباط ملكية هذه المؤسسات بقيادات تنظيم الإخوان المسلمين، إنما يؤكد أن قرار إنشاء هذه المؤسسات التعليمية الخاصة انما كان قراراً مركزياً أتي من أعلى قمة قيادة التنظيم، ولمصلحة استراتيجية خاصة بالتنظيم، ولم يكن قراراً اتخذ من قبل الدولة في إطار حاجات الشعب، لأو لإكمال ما عجزت عنه الدولة في قطاع التعليم كما يُروج لذلك.
وبذلك، فإن قطاع التعليم الخاص بهيئته الحالية إنما هو وجه واضح من وجوه التمكين الإستراتيجي الشامل للتنظيم، التي هدف منها تمكين التنظيم وأحكام سيطرته علي قطاع الطلاب والشباب كأهم قطاع جماهيري وحيوي ومؤثر في استقرار الدولة وفي مستقبلها.
هذا إضافة إلى انهم كانوا يستهدفون المال من خلال الأرباح الطائلة التي جمعوها من خلال احتكارهم لهذا القطاع المربح جداً. وقد تمكنوا من السيطرة عليه بواسطة شبكة محكمة الادارة والتوجيه بواسطة كوادرهم داخل القطاعات ذات الصلة وبتسخير كل آليات الدولة وقوانينها لصالح تمكين انفسهم في هذا القطاع، حتى تظل هذه المؤسسات الي الأبد تحت سيطرتهم وتستمر مورداً مهما للمال من أجل تمويل أنشطة التنظيم والصرف على قياداته. وقد تحسبوا لأي تغيير يمكن ان يطرأ على نظام الحكم بواسطة التلاعب في ملكيات الأراضي التي أقيمت عليها هذه المؤسسات من الجامعات والمعاهد والكليات والمدارس، وزوروا حتى في ملكيات المباني القائمة وجعلوها بأسماء الزوجات او الأبناء أو أشخاص آخرين غير معروفين بانتمائهم للتنظيم، حتى إذا ثار الشعب عليهم وتم تغيير الحكم، تستمر هذه المؤسسات بعيدة عن يد القانون بحجة الملكية.
على السيد رئيس الوزراء والسادة أعضاء مجلس السيادة ان يتحلوا بالمسؤولية التاريخية الكافية التي تحتم عليهم استكمال ما نقص من مواد قانون تصفية نظام الثلاثين من يونيو وإزالة التمكين لعام ٢٠١٩م، بإضافة فقرة كاملة ومحكمة حول قطاع التعليم الخاص وكيفية اصلاحه.
وأود هنا ان أشير الي مظهر آخر من مظاهر التمكين التي لم تطالها أيدي الثورة، ومازالت ترعي استمرار الفساد داخل وزارة التعليم العام والتعليم العالي، ويتمثل ذلك في استمرار بقاء كل رؤساء الإدارات العليا بالوزارتين وخاصة الإدارات التي تتحكم في القبول بالجامعات الخاصة، وإدارات التعليم الخاص والاهلي وإدارات التصديق لقطاع التعليم الخاص وما يرتبط بهذه الادارات في الوزارات ذات الصلة في مجالات الاستثمار وسجلات الأراضي والقضائية، وغير ذلك من القطاعات ذات الصلة.
كل الدلائل تؤكد أن هذا الأمر قد تم إنجازه ومتابعته في سنوات طوال بواسطة شبكة مترابطة من الادارات والوزارات وإدارة مركزية عليا من التنظيم، حتى يتم تمكينه بصورة يصعب على يد القانون ان تطالها. ولكن العقل الواعي والضمير الحي وإرادة الخير ستبقى فوق مواد القانون، تحرس مصالح السواد الاعظم من أهل السودان، ويجب أن تعمل باستمرار لإصلاح الأحوال حتى تعود كل الأموال المنهوبة بإرادة السلطة الانقلابية الغاشمة الي مصلحة كل اهل السودان، ومن أهم تلك الأموال ما تم تهريبه من موارد هذه المؤسسات الخاصة،التي استولت عليها الحركة الإسلامية بوضع اليد وبنتها بمال الدولة وحمتها بالقوانين.
السيد رئيس الوزراء السادة أعضاء مجلس السيادة ان اصدار قرار حاسم بإعادة كل هذه مؤسسات التعليم الخاص التي أقيمت في عهد الانقاذ الي القطاع العام تحت ملكية الدولة، هو واجب مقدس ومهمة وطنية عاجلة تندرج في اطار تنفيذ الشعارات التي نادت بها الثورة ومات من أجلها شباب وطلاب السودان أثناء مسيرة الثورة السودانية. يجب أن يتم الغاء ملكية هذه المؤسسات فوراً ووضعها تحت يد الدولة لتصبح قطاعاً عاماً تديره الدولة حسب الوزارات التابعة لها، ريثما يتم إجراء تحقيقات وافية حولها بواسطة السلطة القضائية والنيابة العامة، ويجب أن يودع كل مالكيها في السجون رهن التحقيق لاستكمال نقل ملكيتها الي القطاع العام وتسترد الأموال المهربة ومن يثبت فساده يجب أن يلقى الجزاء اللازم.
السيد رئيس الوزراء ان إزالة هذا القطاع الفاسد فيه حماية لأجيال السودان الذين يمثلون مستقبل الوطن العزيز حتى لا يتم تدجينهمن واستغلال أهلهم لصالح مشروعات التنظيم المجرم الذي لم يعمل يوماً لصالح الوطن.
لقد استطاعت هذه المؤسسات الخاصة تحقيق أرباح طائلة حولتها الي عملات صعبة ثم هربتها الي خارج الحدود وأودعتها في حسابات خاصة بدول خارجية وربما تحت أسماء اخري بمعاونة تنظيمهم العالمي، وهذا بلا شك يندرج في باب تخريب الاقتصاد الوطني، ويستوجب الجزاء اللازم.
كما أن هذه المؤسسات الضخمة لم تحدد أي نسبة من الأموال الطائلة التي جنتها في باب من أبواب الخير وخاصة في قطاع التعليم الخاص العام والعالي، الذي ظل في حالة يرثي لها من الإهمال. وكان ذلك أمراً مقصودا ومدبراً حتى يجبروا الأسر لطرق أبواب التعليم الخاص برغم ظروف هذه الأسر السيئة جداً مما أطراهم لبيع كل مدخراتهم وزاد من معاناتهم.
ولعل ما يقوم به التعليم الخاص من جشع وغلو واستغلال للأسر ومن تحقيق لأرباح طائلة على حساب معانتهم في ظل غياب بيئات التعليم العام الجيدة، يكفي وحده جريرة تستوجب العقاب، وتستحق انتزاع الملكية الخاصة لصالح المصلحة العامة.