اختلاف البعض مع الامام الصادق المهدي وحزب او حتي كره البعض له، لأسباب لا نعلمها ولا تفسير لها، غير وجوده الفاعل والمؤثر لمدة طويلة. وهذا لا يبرر إنكار عطاء الرجل وجهوده الفكرية والسياسية وحضوره في الكثير من المحافل، خاصة عندما كان الوطن في قبضة اللئام، فقد كان الرجل هو الوجه الوحيد المشرّف الذي يخبر العالم أن في السودان وجوه أخرى تستحق الاحترام وتتحدث بأدب وعلم ودراية ومستعدة للتعامل مع العالم بشكل مختلف..
نعلم ان هناك حملات شرسة يشترك فيها الكثيرين، بعضهم بقصد وتخطيط واجندة سياسية وآخرين كثر يمشون فيها بلا هدى. ولكن أعتقد اذا استمر هذا المنهج الكيزاني الحسين خوجلاوي القديم، فانه يؤكد اننا لم نتعظ من دروس الماضي، وأننا نسير في ذات الطريق الذي حطم التجارب الديمقراطية السابقة، وأن البعض من حيث لا يدرون ولا يدرون انما يسوقون العهد الجديد الي ذات النهايات المأساوية السابقة..
في السودان أعتقد نحتاج إلى ترسيخ المفاهيم الاساسية والسليمة حول الحكم والدولة والوطن خاصة بين قادة الرأى العام. ويجب أن يوضع لذلك منهج يدرس لكل ناشط في الشأن العام من اهل السياسة والاعلام. ولا غضاضة اذا أصبح لذلك مقرراً يشترط اجتيازه الي المواقع السياسية والسيادية والقيادي في مجال الاعلام، حتى يعلم من لا يدري، وحتى يطمئن من يدري، أن النظام الديمقراطي السلطة فيه ليس لجهة واحدة، وانما هي موزعة في مواقعها المختلفة، بأيدي الجميع، وعلى من يكون مسئولا على اي موقع فيها، ان يحترم السلطة التي بين يديه.. لأنها سلطة ولها تأثير على كل الوطن إما ايجابي او سلبي.
فالسياسي مسئول والاعلامي مسئول والحاكم التنفيذي مسئول والنائب التشريعي مسئول. وبالضرورة ان يكون لتلك المسئوليات نصوص وقانون يجب أن يكتب حتى يكون رادعاً لكل من يتجاوز حدود صلاحياته ويستغل السلطة التي بين يديه. وألا فاننا سنخرّب بيوتنا بأيدينا وندخل وطننا في دوامة من الفوضى.
مؤكد هناك البعض الذي لا يمتلك الجماهيرية الكافية للحكم ويخشي على نفسه من سطوة السلطة، والواجب هنا ان نؤكد ان الحكم في حدوده التنفيذية لا يؤثر على سلطته وحقوقه ومكتسباته ولا يقيده، كما الحال في النظم الدكتاتورية.
وعلينا أن نؤكد من خلال الاعلام والسلوك السياسي للسياسيين، ان مجرد حقيقة الوجود بلا رقيب مع كامل الحرية في ممارسة الأنشطة المختلفة في حدود القانون، هو مكسب عظيم يجب المحافظة عليه واستغلال بالشكل الامثل لتحقيق المزيد من القبول الشعبي، وليس بالضرورة ان يكون الجميع في سدة الحكم ليكونوا فاعلين ومؤثرين.
وعلينا أن نؤكد ان الانتخاب الي الحكم في النظام الديمقراطي مسئولية في اطار سلطة مقيدة بالقانون وليس سلطة مطلقة كما في الانظمة الدكتاتورية وبذلك فهي محط النقد والنقض والرصد، اي انها سلطة منقوصة ومقيدة.
ان توالي الأنظمة الدكتاتورية على الوطن رسخت المفاهيم الخاطئة حول مفهوم السلطة، حتى عند المتعلمين والعارفين والناشطين في العمل السياسي والاعلامي حول السلطات والصلاحيات division of powers في النظم الديمقراطية.
لان الديمقراطية في السودان لم تترسخ وتصمد لدورات عديدة، فإن ما رسخ بالعقل الباطن منها وظهر في الإعلام الان، كان انعاكساً لأداء النظم الدكتاتورية. حيث السلطة مطلقة والحاكم مطاع بالقانون وكلامه أوامر..
وهناك ايضا الفهم الخاطئ الذي يجتزء القوى السياسية في الأشخاص ويتجاوز الأحزاب والمنظومات السياسية، بل ويدع لنسفها والغائها، أو يولغ في العداء للأشخاص كرهاً وبلا مبرر سياسي منطقي، وينسي او يتناسي بلا أخلاق في اطار أجندة محددة، ان هذه الكيانات هي من أهم أسس النظام الديمقراطي ولا وجود لحزب بلا قيادة، وبدون هؤلاء لا يكتمل تعريف الديمقراطية.
هذه الحملات جلها من ورائه اما جهل او إرتباك في الفهم بطبيعة النظم الديمقراطية والفرق حول مفاهيم الحكم والدولة والوطن، ولذلك مطلوب من الإعلام العام وإعلام الحكومة الانتقالية بالذات ومن كل القوى السياسية، أن تركز على إشاعة المفاهيم السليمة لهذه المعاني، حتى يكون لخطابنا السياسي تأثير ايجابي في ترقية الاداء العام وفي بناء الكيانات السياسية وبناء الدولة على الاسس السليمة، والا فاننا نقود الوطن الي خلق كيانات منغلقة ومتحجرة وغير متواصلة مع بعضها البعض، مما سيعيق إمكانية التطوير في هذه الكيانات وفي ترقية الخطاب العام.
واي هجومات غير موضوعية ستؤدي الي تحفز مضاد والي جهوزية أكبر عند المهاجم للرد، انتصاراً للذات، وهذا ربما يؤدي إلى خسارات هنا وهناك ويشوه التجربة الديمقراطية الوليدة ويغري أعداء الحرية ويوفر لهم مبررات إطفاء نور الحرية وقفل كل الوطن في قمقم الدكتوتارية من جديد.