….السؤال الذي يجيب عليه الواقع هو : هل مشكلة السودانيين دينية عقدية ؟
..ذي بدء ، الشعب السوداني يجمع خصال وخلال جليلة ، من شأنها أن تصنع له سياج الحماية من كل مايمكن الخوف عليه ، رغم أن الخوف يجب ألا يتعدى تخوم صفات وخصوصيات الشعب المتفرد بها دون غيره من شعوب العالم كالتماسك الإجتماعي والهبة والإغاثة والجَلَد والوطنية وغيرها، فهذه يعتريها الخوف ،لكن أصل الدين وكلياته وأركانه وشعبه وأصوله ، ليست قابلة للخوف عليها وهذا مانكتب فيه هنا .
…الذين يتحدثون بهذا الربط يشيرون لك أن الدين حصراً عندهم ، وفي حال زوالهم فأن هذا الدين قد زال ، لذلك لابد أن يبقوا و يثبتوا في كل تفاصيل الحياة والحكم وينصبون أنفسهم أوصياء الله في دينه على الأرض بحيث يبقى الدين رهين بقاءهم وأي خدش فيهم أو تهديد لهم إنما هو في الأساس تهديد للدين في أول المقام وليس ذلك الصك والحق الذهبي يذهب لسواهم بل هو رهين بهم وهذا يعني اْستغفال الناس وتذكية لأنفسهم من حيث لا يستحقون و تجهيل الناس وحبس الدين في شخوص هم أصلا الأبعد عن مقتضى أمره ونهيه ، بل وكتم حرية المجتمع وتأطيره في خيارين : 1/ بقاء الدين رهين ببقاء العصبة الفاسدة 2/ زوال العصبة هو زوال الدي…
…لكن للحق هذا فهم عقيم فأن الدين لا أوصياء له وليس هنالك أحد يحمي الدين ، لأن حمايته متكفل بها رب الدين ذاته ولن نقوى على حمايته إذ يقول الله تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[سورة الحجر 9] . وقد وأخرج البخاري: (والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها) ، بل العكس الدين هو الذي يحمي الإنسان ، فألمرء يجد الحماية في نصوص الدين وأقواله وأفعال المأمور بها، والمجتعات جاءت الأديان لحمايتها من الفوضي وتنظيم حياتها في كل طرقها وسبلها وأنواعها ، وليس العكس.. فالدين لا يحتاجنا بقدر حوجتنا نحن له فأنت مثلا تقرأ آية الكرسي لأجل أن تكون سبباً لحفظك من مصائب لا تراها وكائنات تحيطك لكن هل آية الكرسي تحتاجك أنت لتحفظها.. ?
وفي قرآننا أن صاحب الدين يدافع عن مَن آمنوا به ، والإيمان دين :(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[سورة الحج 38]
..هذه فزاعات يستخدمها عديموا البرنامج والمشروع التنموي الحقيقي لأجل أن يخوفوا بها الناس حتى لا ينفضوا عنهم ، و حتى لا يتحرر الناس من ألأسر الفكري الذي صنعوه لهم بإعلام مضلل وغاسل ،فيعون ويعرفون ويدركون حقوقهم فيجتثوهم وينبذوهم..
…أساليب الحكم الناجعة ونُهُجَه القويمة القاصدة لحياة كريمة ورفاهية وعدل وإقامة دولة الوعي والعدل والتنمية والمساواة المجتمعية…هذا هو الدين…الدين في فقه ألأولويات الجمعية لا ينحصر فقط في العبادات الفردية من صلاة وصوم وحج.. ( نعم هذه مهمة وهي دِين )…لكن في الإطار الكلي المجتمعي الأكبر…إنما الدين هو العدل…هو الإقامة لمؤسسات يؤدي فيها الفرد دوره المجتمعي كالجامعات والمراكز ودور العلم والفن والأدب والثقافة والوعي والاستنارة ومايجري فيها من نشاط يدعم الغايات والأهداف الكلية لعمارة الأرض وإقرار وجود والله ووحدانيته..هو أيضاً أن تُمكن الفرد الداعي لله ولإعلاء الدين الحق من أداء واجبه الرسالي بكل طرق تأهيله وتدريبه وتحفيذه بماهو متاح من وسائل.
….فالدين هنا مفاهيم كبيرة ، لأن الدولة مجتمع وليس فرد والفرد لبنة مهمة.. وإقامة الدين الجمعي والدين العالمي والدين الرسالي الشامل.. هنا بالتلقائية تتحقق مفاهيم الدين الفردي من العبادات والأخلاق والأداء والقضاء ، لأن ذلك يقوم على أمرٍ ونهيٍ وأداء..فالأمر عام ، والنهي عام…ينما الأداء خاص وهكذا…من طرق أخرى كثيرة…نرى الدين عام في ثلثيه…وخاص في ثلثه….
…اذن الخلاصة…رب العزة هو الذي يحفظ دينه.. ونحن لا نستطيع أن نحفظ أنفسنا دعك من غيرها ( ياأيها الناس ضُرب مثل فاستمعوا له.. إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولوِ اْجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)…هذا بيان عجز الإنسان عن أضعف مايمكن تصوره في العقل..لكن نحن علينا الإقرار والإيمان والقول الصادق مع العمل المخلص وقبل ذلك الإعتقاد الجازم المطابق للحقيقة بمعرفة الدليل المكتسب من الأدلة التشريعية..(قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[سورة اﻷنعام 135] ..وفي العمل المطابق للقول يقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)(كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)[سورة الصف٣.٢]
إذا قررنا هذا في عقولنا وأدركناه..فإن ذلك لا يعني أن ثمة أخطار تحدق بالناس وتشتت فكرهم وتغسل أفهامهم..وبالتالي تشكل خطراً على تمسكهم بأصول دينهم وتصنع الحاجز من إقامة الأمر والنهي والتعبد بحقه وطريقه القويم…هذا موجود ولا ينكره إلا مكابر فأصحاب الأفكار التطرفية يتوهطون أرض المجتمع وينشطون دون توقف وقطعاً لهم أثرهم على أفراد المجتمع…لكن هذا الأثر يتباين من مجتمع لآخر ، فنحن أمام حالة مجتمع إسمه السودانيون ، وبالتالي فالفطرة هنا ضد التطرف التفجيري والتكفيري والتطرف الفكري النشاذ..إذن المطلوب هو القول والعمل والإقران بينهما.
…إذن العاجزون عن التنمية بسبب فسادهم ..العاجزون عن صناعة الوعي والفهم والتقدم والنهضة والحضارة…العاجزون عن تقديم أنموذج من البرامج لمجتمع مبدع في خامته.. فأنهم يلجأون ليبدعوا بامتياذ في صناعة الفزاعات باستخدام الدين لأنه الأهم عند الناس…لكنهم بذلك كاذبون وصانعون للفشل والإفشال للمجتمع بأسره… ونرجع بذلك مئات السنين من التخلف…وهذا ضد الدين وليس داعما له…
..