بحكم الخصومة ولا أقول (العداء التاريخي) بين الأنصار والمصرين الذي نشأ بسبب إستعمار الوطن بمشاركة مع الأتراك والإنجليز، وبحكم أن مصر كانت هي البوابة التي دخل منها الإستعمار الي السودان، وبحكم تعهدها بلعب الأدوار الخبيثة نيابة عن شريكيها الآخرين في مرحلتين من الاستعمار فقد ظل تحركها داخل السودان خلال فترة الكفاح لنيل الإستقلال تحت رقابة ورصد الأنصار بقيادة الإمام عبد الرحمن طيب الله ثراه، وظل هو عملياً يقف وراء فكرة الإستقلال التام للسودان، وظل يرسل الوفود الي الخارج ويدفع المال اللازم لتكاليف السفر والضيافة للوفود المغادرة والزائرة ويرعي كتلة الاستقلاليين داخل السودان ومن كل التيارات قبل وبعد ان تكونت الاحزاب . وعندما نشطت مجموعة الأشقاء داخل مؤتمر الخريجين (وهم جماعة تكونت من بعض خريجي كلية غردون) وانتظموا في جسما لهم يعمل على الدفع فى إتجاه الإتحاد مع مصر، هنا برزت مجموعة من (المستقلين) رعاهم الامام عبدالرحمن، وهم خريجون من داخل مؤتمر الخريجين رؤوا أن فكرة الامام عبدالرحمن والتي تتمثل في الإستقلال التام للسودان تحت شعار (السودان للسودانيين) هي الفكرة الأوفق، فانضموا للامام وبدؤوا ينسقون فيما بينهم والتزم الإمام بدعمهم مادياً وسياسياً من خلال علاقاته القوية برجال الادارة الأهلية وقطاع الأنصار. وبعد أن تعزز هذا التحالف رؤوا هؤلاء تكوين حزب سياسي برعاية وتمويل الإمام عبد الرحمن المهدي وسكرتارية عبدالله خليل كأول حزب يعلن في السودان، من تكوينات ثلاث هم: الأنصار ورجال الإدارة الأهلية وقطاع مهم من الخريجين وبرعاية ودعم الامام عبدالرحمن. والهدف الاساسي قطع الطريق على أنصار الإتحاد مع مصر، والسعي مع البريطانيين واقناعهم بالإستقلال التام والسيدة الكاملة على الأرض السودانية، وبدأت اولي الخطوات لذلك في يناير من العام 1945 وتطور الأمر بشكل بشكل متدرج، الي أن تم الإعلان رسميا عن حزب الأمة وتم إختيار الأمير ألاي عبدالله بك خليل( وهو بالمناسبة عضو اللواء الأبيض) كأول سكرتير للحزب والصديق عبدالرحمن المهدي كأول رئيس للحزب في عام 1950. وكان الامام عبدالرحمن من وراء الفكرة والبذرة ورعاية هذه الشجرة المباركة التي نمت وتفرعت وتمددت وأصبحت تتطور كل حين عبر السنين. ومركزية الامام عبدالرحمن ودوره في نشأة وتطور حزب الأمة هي المعلوم من الأمور بالضرورة والسؤال عنها يعتبر بدعة ودليل جهل بتاريخ السودان وليس دليلاً على المعرفة، كما يتوهم المتشككون الجدد، الذين يتسابقون في عبط واستهبال يثير الشفقة هذه الايام ولكنهم انما يتقيئون أحقادهم وأمانيهم المريضة.
وأما تسجيل السيد عبد الرحمن بالإيصال رقم 4901 فلا قيمة له أكثر من سلامة إجراءات التسجيل وليس بالضرورة أن يكون هذا الرقم هو رقم العضو الذي يحدد أسبقية إنضمامه. علماً بأن صاحب الإيصال هو صاحب الفكرة وراعيها وهو فى الحقيقة رقم واحد فى الحزب.. وقد تم نشر صورة الإيصال فى سياق آخر وفى القروبات الخاصة بالحزب للإشارة إلى عراقة الحزب ودقة وسلامة إجراءات تأسيسه، وورد ذلك فى مقارنة بين ماضي وحاضر الحزب، فى إطار مشروع إصلاح عام يشمل هيكل الحزب ودستوره. لكن للأسف إستقل خصوم الحزب، ولا أقول أعدائه، الإيصال لتشويه صورة قيادات الحزب الذي يسير فيه الإصلاح والتطوير بوتيرة سريعة مقارنة ببقية الأحزاب القديمة التي تدعي الكمال.
بالطبع هنالك العديد من الأخطاء كجهد بشرى، التى صاحبت مراحل نشأة الحزب كأول حزب سوداني والمراحل اللاحقة لذلك، لكن مقارنة بغيره من الأحزاب تجده أحسنها، وأكثرها تماسكاً وتطويراً وقبولاً بين السودانيين، بدليل أنه نال ثقة المواطنين فى تجربتين ديموقراطيتين، إعترافاً منهم بمواءمة طرحه لتطلعات أهل السودان ولبلائه وقوة مواجهته للأنظمة الدكتاتورية. ويعتبر حزب الأمة الحزب الوحيد ذي الإنتماء الوطني الأصيل والغير مرتبط بأي أيدلوجية من خارج حدود السودان، أو أي محور دولي أو إقليمي، وهي الميزة الأساسية التى منحته ثقة المواطن وجعلته الأكثر مصداقية عندما يتحدث اي حزب اخر عن سيادة الوطن علي أرضه وموارده وعن إستقلال قراره.
وبالمناسبة تعداد مواطني أم درمان جميعهم فى ذلك الوقت الذي كان فيه رسم عضوية الحزب فقط خمسة قروش، لا يبلغ ال4901، هذا إذا فرضنا جدلاً لا يقف على حقيقة، أن الامام عبد الرحمن هو طيش عضوية الحزب.
وكما يُعلم بالضرورة ليس مسموحاً لمنسوبي القوات المسلحة بتأسيس حزب سياسي، مما يدحض فرية أن الحزب كونه الجنرالات وإختطفه منهم الامام عبد الرحمن. أما كون الأمير الاي عبدالله بك خليل هو أول سكرتير للحزب، فإن لعبدالله خليل أدوار سياسية مشهودة ومعلومة وقد كان عضوا في حركة اللواء الأبيض وفي لجنتها العليا ووقتها كان بقوة دفاع السودان قبل أن يستقيل وينضم لتيار الاستقلاليين ويشارك مع آخرين في تأسيس حزب الامة.
الآن يحيك (خصوم) الحزب الكيد والمؤامرات بعد أن قاد قادته بحكمتهم المعهودة، الثورة المجيدة إلى بر الأمان ورعوا الانتقال السلس في أصعب الظروف الي ان تكونت مؤسسات الحكم الانتقالي، وبعد أن رأوا الحشود المليونية التى تحتشد لمقابلة السيد الإمام وأعوانه فى كل مدينة زاروها. خوفاً وجزعاً من إكتساحهم (ديموقراطياً) للإنتخابات القادمة إن شاء الله.
نرجوا ممن يكتبون ان يتحركوا الدقة والأمانة في نقل الحقائق وعدم نشر وترويج الأكاذيب في اطار الاجندة السياسية التى لن توقف قافلة الحزب مهما علا نباح من يقفون من ورائها.