فلول النظام البائد من الحالمين بعودة مجدهم الآفِل وإستمرار(إستمتاعهم) بالنهش في موارد البلاد ومُقدَّراتها والمستفيدين الأوائل من دوران عجلة الفساد التي بات توقفها عن الدوران وشيكاً ، هم أصحاب المصلحة الحقيقية من المُناداة في الوقت الراهن برفع الدعم عن الخبز والوقود ، ذلك لأنهم يعلمون بأن ذلك هو أقصر الطُرق وأيسرها لإسقاط الحكومة الإنتقالية بأمر الشعب وعبر ثورته عليها ، والسيناريوهات المطروحة لديهم آنذاك ليس كما يتخيَّل الحالمون بأنها ستتوقف عند حد تبديل (شخوص) الحكومة الإنتقالية بل سيتجاوز ذلك إلى المحظور والترتيب لإنقلاب عسكري يعتمد صك شرعيتهِ على التذرع بإنفراط الأمن والفوضى وفشل الحكومة الإنتقالية التي أقرتها الوثيقة الدستورية ، ثم وعلى أحسن الفروض الدعوة لإنتخابات مُبَّكرة (ومطبوخة) تعيد التيار الإسلاموي بمسمى جديد وهيئة يتقبَّلها المجتمع الإقليمي والدولي وقِلة من محدودي الوعي السياسي في الداخل ، بالإضافة إلى النفعيين والمستفيدين من (نكبات) الأنظمة الإستبدادية.
بعض (الأبرياء) من النُخب المُثقفة ، أيضاً يدعون جهاراً نهاراً إلى رفع الدعم عن السلع الضرورية والوقود ، هؤلاء يعانون ضيق الأُفق السياسي ، ولا يجيدون غير إعمال ثقافتهم الأكاديمية والمعرفية في موضوع رفع الدعم من عدمهُ ، وفي الحقيقة لا أحد يختلف معهم في أن رفع الدعم هو أقصر السُبل وأنجعها في معالجة وضبط ميزان الواردات والمنصرفات في الإقتصاد السوداني ، وهو في ذات الوقت إيقافٌ لنزيف الخسائر الناتجة عن التهريب إلى دول الجوار ، لكن ليس كل ما هو صحيحٌ وصواب واجب الإنفاذ في حينهِ وفي التوِّ واللحظة ، فالكثير من المشاريع الكبرى والإستراتيجية (تؤجَّل) إلى حين توافق الظرف العام مع شروطها وتبعاتها ، فالبيئة المعيشية الحالية التي تتحكَّم في قدرة المواطن على تحمُّل تبعات وتداعيات رفع الدعم غير مواتية بما يضمن صمود الشرائح الأكثر فقراً والتي تمثِّل الأغلبية ، وذلك مهما كانت الإجراءت والإحتياطات المُتخذة خصوصاً في بلدنا السودان ، والذي تعتبر أكبر مشكلاته التنموية مُتمثِّلة في عدم قدرة هيئاته الرسمية على تنزيل مخطَّطاتها وتصورَّاتها إلى أرض الوقع ، فعلى الدوام كانت النظرية في السودان مُغايرة وأحياناً مُتناقضة مع ما يُسفر عنهُ الواقع الفعلي.
أما (المُترفون) فهم يمثِّلون أيضاً طرفاً ثالثاً في أضلُع مثلث الداعين لرفع الدعم ، وذلك ببساطة لأنهم يتطلَّعون للحصول على حاجياتهم الضرورية والروتينية بسهولةٍ ويُسر ودون مُعاناة ، فهُم يمكلون المال ولكنهم مُجبرون على الوقوف في طوابير وصفوف الخبز والوقود ، ويعتقدون أن رفع الدعم سينعكس إيجاباً على الوفرة ، مُتناسين أن الأغلبية تفضِّل حدوث النُدرة النسبية التي تكلفهم جهد الوقوف في الصفوف والطوابير ولكنها في ذات الوقت تضمن لهم سعراً يتناسب مع مداخليهم ، نقترح أن تُخصِّص الدولة للمُترفين مخابز ومحطات للوقود (مرفوع عنها الدعم) حتي (يستمتعوا) بالحصول على إحتياجاتهم دون عناء ولا إضاعة وقت و(تستمع) وزارة المالية بإسترداد بعضاً من إنفاقها على من لا يستحقون.