على ما يبدو أن موضوع التطبيع مع إسرائيل
سيسيرُ على قدمٍ وساق وبوتيرةٍ أسرع من ما يتوقَّعهُ الكثيرين ، أما أهم الدلائل
على ذلك فهو التوافُق ( الخفي وغير المُعلن ) بين المكوِّنين العسكري والمدني في الحكومة
الإنتقالية .
نقول ذلك بالرغم من أن تجمع قوى الحرية والتغيير
والسيد رئيس الوزراء ، قد أدليا ببيانين مُنفصلين ، يفيد محتواهما من ناحية عدم
العلم والإخطار المسبق بالمقابلة التي جرت بين البرهان ونتنياهو ، ومن ناحية أخرى
( الإشارة الإيحائية ) إلى رفض ما أسموه ( مخالفة ) الوثيقة الدستورية وبنودها
المُتعلِّقة ببيان إختصاصات وسلطات ومجلسي السيادة والوزراء.
أما قراءتنا نحن فتفيد أن المكونَّين
العسكري والمدني في الحكومة الإنتقالية على إتفاقٍ كامل ومُسبق في مسألة التطبيع
مع إسرائيل وأن مجلس الوزراء وقيادات قوى الحرية والتغيير كانت على علم مُسبق
بزيارة البرهان للكنغو وترتيبات لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي ، ولكن تم ( إخراج
) وتمهيد إيصال هذا الخبر ونشره للرأي العام الداخلي والخارجي بالصورة التي
تابعناها جميعاً ، والتي لم تكُن تخلو من ( غرابة ) وتجاوز للكثير من أعراف
الإعلام الرسمي التي يتم من خلالها ( تنوير ) الرأي العام في مثل هكذا القضايا.
لكن ما هي المؤشرات والقرائن التي تجعلنا
نميلُ إلى وجهة النظر التي تفيد حدوث التفاهم المشترك المُسبق بين المكوٍّنين
العسكري والمدني في هذا الموضوع ثم الإتفاق أيضاً على تقاسم الأدوار حول ( تحمُّل
) ردة الفعل التي ستنتج عن إعلانه ؟.
- عدم الحماس والضعف الواضح في
ردة الفعل فضلاً عن برود التصريحات التي أدلى بها الشِق المدني حول الموضوع خصوصاً
فيما يتعلَّق بتجاوز الصلاحيات الممنوحة عبرالوثيقة الدستورية في باب الولاية على العلاقات
الخارجية.
- إذا كانت هذه الخطوة التي قام بها البرهان بالفعل دون علم الشريك
المدني فهي في تقديري ليست أقل من إنقلاب وإشارة تفيد إنجرافاً واضحاً نحو
الإنفراد بالسلطة ، فإن كانت كذلك فإن أقل سيناريو يُتوقَّع أن يعقُبها قيام
البرهان بعد عودته بإعتقال الطاقم المدني للحكومة أو أيي إجراء ثوري آخر مُماثِل يستبِق
به قراءة بيانه الأول.
- مُجريات الأحداث العامة وتحديات المرحلة وتماثُل الأعداء والمخاطر والمُهدِّدات
، أظهرت في الآونة الأخيرة ( تجانساً ) و( إتساقاً ) واضحاً في التوجهات والقرارات
ما بين المكوِّنين العسكري والمدني في الحكومة الإنتقالية ، مما يشير إلى إستحالة
أو إستبعاد أيي خلافات (جوهرية وعميقة ) في وجهات النظر المتبادلة وخصوصاً في
موضوع إستراتيجي مثل العلاقات السودانية الإسرائيلية وما سيتبعها من تداعيات في
العلاقات الخارجية على المستويين الإقليمي والدولي.
- في ظني قد قام البرهان ( بشيل وش القباحة ) نيابةً و( حمايةً )
للحكومة المدنية ممثلة في مجلس الوزراء ، درءاً لما يمكن أن يصيبها من مخاطر نتاج
الهجمات الإعلامية التي كان سيسدِّدها ضدها أعداءها من فلول النظام البائد
وتنظيمات وقواعد الجماعات الإسلامية السلفية ومنظومات الفكري العروبي الوحدوي.
- بقى أن ننتظر ما سُتفسر عنه الأيام القادمات من تفاصيل ، خصوصاً تلك
المُتعلِّقة بـ ( المُقابل ) الذي سيتقاضاهُ السودان وشعبه وحكومته نتاجاً لهذا
الصفقة.