في مقال سابق ، كانت مسألة التجانس بين مكونات الحكومة في فترتها الإنتقالية هذه، لها حيزاً في إطار الحديث عن تحديات المرحلة الإنتقالية ، فمن ضمن ماذكرناه هذا الإقتباس ( ..مؤسسات الحكومة الإنتقالية يتشاركها قسمان من صانعي التغيير في السودان وهما : ضباط الجيش المشاركين في مجلس السيادة و من معهم من المدنيين،ومجلس الوزراء المدني ، فمن المهم أن تجري عملية الحكم بينهم في جو من التجانس بين هذه المكونات للعملية السياسية في السودان وهنا تبرز مسألة الثقة والتجانس بين المكونات هذه خاصة بين العسكر والمدنيين فإن أي تصادم أو عدم ثقة يكون وباله خسراناً على السودان وشعبه…)
مجلسي الحكم الإنتقالي هما المجلسان المنوط بهما فكاك هذا الوطن المنكوب من حزمة أزماته التي تتزايد يوماً بعد آخر ، وأهم مايرتكز عليه ذلك بعد العزيمة وقوة الإرادة المبعوثتين من الوطنية الخالصة ، التجانس والتناغم والتكامل بين مجلسي السيادة و الوزراء ، وإلا فلن يحصل مايترتب على ذلك من مهام وطنية مرجوة ، فمهام المجلسين تحتم عليهما العمل وفق تكامل مشترك وفهم واحد لأن مجلس السيادة موكل له مهام وإجراءات وفقاً للوثيقة الدستورية تتداخل مع مهام وإجراءات مجلس الوزراء من ذلك أن السيادي يعتمد التعيينات التي تجري من رئيس الوزراء إذا ماأراد تعيين أي شخص ، فإذا ما كان هنالك تكامل وتفاهم بين المجلسين وأعضاءهما ستكون الأدوار متبادلة ومتكاملة وتصب في مصلحة الوطن والشعب في نهايتها ، كانت التحركات في أول أيام الفترة الإنتقالية تسير نحو هذا التكامل لكن لما زادت حدة التدخلات الخارجية خاصة من دولة الإمارات وحصلت بعض الزيارات من دولة الإمارات كزيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، إلى البلاد ، أيضاً في 10ديسمبر الماضي، زار رئيس الأركان الإماراتي حمد محمد ثاني الرميثي، الخرطوم في زيارة اْستغرقت يومين ،وزيارات أخرى من الولايات الأمريكية وزيارات من مسؤولين سودانيين لبعض الدول كزيارة حمدوك للولايات المتحدة ولقاءه ببعض الشخصيات هناك على هامش لقاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعون ، فبعد حصول هذه الأدوار داخلياً وخارجياً حصل مايشبه الشُقة بين مجلسي السيادة والوزراء ، وكانت أكثر ظهوراً بعد تصريحات حمدوك في لقاءه الذي أجراه معه الصحفي عثمان ميرغني عندما صرح أن بنك السودان المركزي لا يتبع لرئاسة الوزراء ، و لقاء البرهان برئيس الوزراءالإسرائيلي ، فالبرهان يقول أنه أخبر رئيس الوزراء حمدوك قبل يومين من اللقاء بينما حمدوك يرفض ذلك ، لكن على حال فإن جهود لقاء البرهان بنتنياهو كانت قبل عدة أشهر ، وعندما يعرف حمدوك بهذا اللقاء قبل يومين فقط ، هذا يؤكد أن التجانس يكاد يكون منعدماً وأن التكامل لا وجود له حتى ولو حصلت شواهد أخرى على وجوده ، لأن مسألة التطبيع مع إسرائيل مسألة وطن ومسألة لا يقرر فيها مجلس السيادة فقط أو رئيسه فقط ، فهي موضوع يهم كل السودانيين عبر مؤسسات الحكم القائمة ، وقد رأينا أن وزيرة الخارجية نفت علمها بالزيارة وحتى بعض أعضاء مجلس السيادة ، الشيء الذي استدعى حمدوك لأن يكتب للأمم المتحدة طالبا المساعدة في ترسيخ وإحلال السلام عبر بعثة سلام من الأمم المتحدة تفتح لها مكتبا بالسودان لتباشر عملها في هذا المضمار تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة ، وهذا أيضا طلب يتطلب أن يكون التكامل فيه ماثلاً بين مكونات الحكومة وخاصة المجلسين ، ليتم التداول فيه والنقاش العميق حتى نخلص لنقطة رأي واحد بين كل الأطراف ، لأن مفاوضات السلام الجارية في جوبا ليس فقط أطرافها هم من مجلس الوزراء ،فمجلس السيادة له مبعوثيه العسكريين والمدنيين مثل محمد الحسن التعايشي ومحمد حمدان دقلو وغيرهما ، ثمة نقاط أخرى مهمة ساهمت في هذه الشقة الحاصلة ،ذكرها محمد عصمت عضو قوى الحرية والتغيير إذ قال :"المكون العسكري بمجلس السيادة هو المسيطر الحقيقي على المجلس وقراراته و أن مجلس السيادة اْستحدث منصب نائب رئيس مجلس السيادة وهذا الأمر لم يكن ضمن بنود الوثيقة الدستورية ،أيضا المكون العسكري وقَّع مع الحركات المسلحة على نص واضح وهو تأجيل اْختيار الولاة المدنيين والمجلس التشريعي وفتح المسارات كالشمال والشرق والوسط، وأصبح هذا النص معطلاً لاختيار الولاة المدنيين والمجلس التشريعي، وأصبح إتفاقاً ملزماً موقعاً مع وفد الحكومة، وللأسف كان معهم أعضاء من مجلس السيادة المدني ومن الحرية والتغيير" …
هذا يؤكد ضعف المكون المدني داخل مجلس السيادة .
هنالك نقاط أخرى حصلت بينت أن مجلسي السيادة و الوزراء وحتى حاضنة المدنيين كتلة قوى الحرية والتغيير على مفترق طرق وأن أدواره هذه المؤسيات مبعثرة ولم تقم على وحدة الهدف والتكامل المطلوب بين هذه المكونات ، وهذا كله يعني أن الفترة الإنتقالية مهددة ببعبع الشتات والإنهيار ، الشيء الذي يضع مصلحة السودان والشعب في خيار المجهول….
..