نظام المخلوع كان نظاما اسلامويا ذو اتجاه واحد وهو خدمة التنظيم الإسلامي العالمي سواء تضمن ذلك خدمة مصالح الشعب السوداني او ضربها وتحطيمها ، وبرز هذا التوجه مبكرا منذ المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي في عام ١٩٩١ مرورا باحتضانه لدهاقنة الحركات الإسلامية الجهادية امثال بن لادن والظواهري ، ولم يتخل النظام مطلقا عن هذا المنهج حتى اللحظات الأخيرة من عمره ،وكان هذا المنهج هو أساس العقوبات والعزلة الدولية .
ثورة ديسمبر لم تكن في تجليها الجوهري ثورة على المشاكل الاقتصادية بل كانت ثورة على المنهج الإسلامي في إدارة البلاد ، ثورة على هيمنة الجماعة الإسلامية ووضعها البلاد باكملها تحت تصرف التنظيم الإسلامي العالمي ، لذلك فإنتصار الثورة لا يعني سوى التحول من واقع إلى واقع مغاير ومن منهج إلى منهج مضاد ، وفي خضم ذلك يحدث التحول الضخم في العلاقات الدولية .
لم يكن المخلوع يستطيع أن يتعدى عتبة السودان الا إلى دول بالحساب ، والاختراق الذي صنعه بزيارته لروسيا لم يضف اي تغيير يذكر ، بينما انظر الى تحركات حمدوك وتحركات البرهان ، المدى الذي وصله قادة الحكومة الانتقالية في الزيارات الدولية في أقل من سنة لم يصله البشير طيلة سنين حكمه الثلاثين ، وهذا ان دل انما يدل على ان السودان مفتوحة له الأبواب الآن، وانه في مرحلة اعادة وجوده الدولي ، في مرحلة تدشين عودته للعلاقات العالمية ، وفي مرحلة الانتقال من سياسة التنظيمات السرية والجماعات الإرهابية إلى مرحلة الدولة ذات الوزن والسيادة والتي لا يوجه بوصلتها سوى مصالح شعبها .
الشهور الطويلة من نضال السودانيات و السودانيين في الشوارع شاهدها السياسيون على مستوى العالم، شاهدوا العزم والشجاعة والصمود والتضحية من أجل أن يعبر هذا الشعب مرحلة حكم التنظيم الاسلاموي العالمي ، وهذه الفترة الطويلة من المواكب والاعتصامات أعطت العالم وقتا كافيا لتقييم التحول المرتقب وكانت النتيجة الاهم التي وصلتهم أن حكم الجماعة الإسلامية قد انتهى ، وأن الأجيال الجديدة والأفكار المنتمية للحرية والعدالة والديمقراطية تسود مجددا في السودان وسوف تتحكم في المستقبل ، وهي خلاصات ظهر أثرها سريعا في زيارات مسؤلين مهمين عالمين للسودان يتقدمهم وزير الخارجية الألماني هذا بالإضافة للاستقبالات والدعوات المتكررة لرئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة في مختلف دول العالم الأول والنامي، وهي جميعها دلت على ان السودان يتخطى بقوة العقبات التي صنعها البشير وإخوانه.
الخطوات الشجاعة من البرهان مثل لقاء نتنياهو والخطوات الشجاعة من حمدوك مثل خطابه للأمم المتحدة ولقاءاته المتعددة في امريكا وقضية المدمرة كول بالإضافة إلى لقاءه برئيسة وزراء ألمانيا ميركل وقرار الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة بمثول المتهمين أمام محكمة الجنايات الدولية ، جميعها قفزات هائلة وشجاعة تطبع العلاقات الدولية بين سودان الثورة والعالم ، وتنقل البلاد من مرحلة الدول الراعية للارهاب إلى الدول الصانعة للسلام العالمي ، وهي خطوات بكل تأكيد تصب في خانة تأهيل البلاد للاستفادة من الدعم العالمي في المجالات الفنية والعلمية والاقتصادية وعلى رأس ذلك إعفاء الديون ،وإزالة العقوبات ،ودعم السودان ماليا لتحقيق التنمية وبناء السلام .
الأصوات التي رفضت خطوات رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء هي بلا شك تخدم بقاء السودان في عزلة، وتعرض البلاد لفقدان الكثير من المميزات التي توفرها العودة السريعة للاندماج في مطابخ العلاقات الدولية .
sondy25@gmail.com