أعجبني طرح الأستاذ حاج وراق عن أهمية
توسيع القاعدة الاجتماعية للتحول الديمقراطي، وضرورة أن نقبل بعضنا بعضاً.
وقد ظل يزعجني بشدة رفض كثير من الشباب
للأحزاب، وتربصهم بها، وتحميلها كل موبقات الواقع السياسي. ولهذا ظللت أطالب
الأحزاب بعدم ممارسة الترف بتوجيه سهامها إلى بعضها بعضاً، والاتجاه إلى العمل
الجاد على قراءة الواقع، والمضي نحو إصلاحه من خلال برامج تخاطب أشواق الجماهير.
إن هناك ادعاءات بمحاربة الطائفية، ويري
بعضهم أن محاولة النيل من حزبي الأمة والاتحادي، من فهم يرتكز على أنهما معاقل
الطائفية، ونسيان أدوارهما الإيجابية في مسيرة الحركة الوطنية يصب في هذا الاتجاه،
وهذا بلا شك فهم قاصر، إذ لا يمكن تخيل أن هذين الحزبين قد يختفيان من واجهة
الحياة السياسية لمجرد أمنيات تداعب بعضنا.
وفي الوقت نفسه، يصيب الحزب الشيوعي السهام الطائشة من ادعياء التدين، ويرونه من أسباب غضب الله على الشعب السوداني، وإذا تمعن هؤلاء قليلاً لوجدوا أن المصائب ما أتتنا إلا من باب استخدام الدين، وتحويله إلى ورقة للتربح السياسي، و”خم” البسطاء تحت ستار الدين، وشم رائحة الجنة، وغير ذلك من شعوذات النظام البائد، ومن شايعوه من المشايخ “نجوم” أركان الشوارع، واليوتيوب.
أما حزب يثبت نفسه بقوة في الواقع السياسي
مثل المؤتمر السوداني فيراه هؤلاء المعارضون للأحزاب بأنه مجرد لافتة للهتيفة،
ومستجدي السياسة، في حين أكدت الأحداث أنه يمضي بقوة، ويحقق نجاحاً مقدراً
بمواقفه، ويمكن أن يكون له شأن كبير عقب الفترة الانتقالية.
ومن يظن أن الإسلاميين سيصبحون أثراً بعد
عين واهمون، لأن الشارع فقط هو القادر على تحديد حجم أي حزب أو تيار، فلتتدافع
الأحزاب، وتبدع في طرح برامج طموحة تلبي تطلعات المواطن، الذي له حرية الحكم لها
أو عليها.
إن محاولة شيطنة الأحزاب يقودها الظلاميون
الذين لا يريدون استقراراً للسودان، فنحن لم نقدم التضحيات الكبيرة في هذه الثورة
المجيدة إلا لإقامة نظام سياسي قوامه الأحزاب، وأساسه التداول السلمي للسلطة.
وعليه، يجب أن تتوجه جهودنا إلى إصلاح
الأحزاب القائمة، ومن لا تستوعبه هذه الأحزاب بأفكارها وبرامجها، ويرى أنه يستطيع
أن يسهم في دفع الواقع السياسي نحو آفاق أرحب، يجب أن يبادر بحزب جديد قد يمثل
إضافة وتجديداً للحركة السياسية، كما يستطيع من يشاء أن يطلق أفكاره ورؤاه عبر
المنابر المختلفة، لعلها تلهم الأحزاب، وتساعدها على تطوير بنيتها، لتكون على
مستوى التحديات الماثلة، والآمال المعقودة عليها للإسهام في استدامة الديمقراطية.
إن رهان بعض أحزابنا على العسكر كان سبباً
في الانتكاسات التي تعرض لها السودان، مما أقعده عن التقدم، وأهدر سنوات كانت
كفيلة بأن تنضج التجربة الديمقراطية، وتؤتي ثمارها.
شعار ثورتنا “حرية.. سلام وعدالة” لن يكون واقعاً إلا بأحزاب قوية ترقى بأدائها، وتجدد رؤاها، وتمارس الديمقراطية في داخلها قبل أن تبشر بها الآخرين.
إن أصوات العقلاء مثل الحاج وراق يجب أن تعلو في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الوطن، فالشعبوية ومحاولة دغدغة المشاعر واستغلال الحماس الثوري تفرش الطريق نحو الهاوية.