أبو العلاء المعري هو القائل، وكانت القصيدة تدرس في المدارس، وتبدأ هكذا: غير مجدٍ في ملتي واعتقادي نوح باكٍ أو ترنم شادِ . لكني الآن بصدد البيت الذي جعلته عنوانا لهذا الموضوع. وهو وبكل أمانة قد سمعته من زميلي ورفيقي عبد الرحمن هارون. وكنا نسكن في غرفة واحدة في بدايات عملنا في السعودية. وكان عبد الرحمن يسهر متابعا المسلسلات، ويحب لعب الكوتشينة، ويتابع أمسيات الأنس، ولا يستطيع النهوض باكراً. كانت تأتينا سيارة ميني بص لتحملنا إلى المكتب، وسائقها رجل سوداني، به كثير من الصلف والعنجهية وسوء الحساب.
كان السائق لا ينتظر أكثر من خمس دقائق أمام السكن لينطلق مسرعاً نحو المكتب، ويتعامل معنا تعاملاً غريباً كأننا نحن طلاب وهو ناظر المدرسة الابتدائية. وكنت أوقظ عبد الرحمن ليلحق بسيارة الترحيل، وكان كلما أيقظته ردد هذا البيت. تعبٌ كلها الحياة ، فما أعجب إلا من راغب في ازدياد.
مرّت سنوات طويلة افترقنا فيها أنا وعبد الرحمن، وأصبح خبيراً في النقل وتدرج في الوظائف، وآخر مرة قابلته كان في دبي يعمل هناك، لكنه بدا لي عبد الرحمن نفسه الذي لا يحب النهوض من النوم باكراً.
طيب ليه أنا اتذكرت الموضوع ده؟
في الفترة الأخيرة من عملنا في السعودية، وبعد ما كبرنا وكبرت أحزانا، بقينا نلبس البدل والكرفتات، ونهتم بتصفيف شعورنا وتناسق هندامنا، فقد كانت المنافسة تتطلب ذلك. بالرغم من أني ظللت ذلك الولد المصر على الشعر الهيبي، وما زلت متمسكا به حتى بعد أن ابيضّ شعري، وكبر أولادي، وأصبحت من جيل الأجداد.
ظل كثير من الناس يسألني: لماذا لا تعمل عملاً وظيفياً تكسب منه، وتفيد به، وتستفيد منه ؟ وكنت دائما أقول: يا جماعة أنا لم أعد أستطع القيام بالمتطلبات ( المظهرية ) للوظيفة، فقد مرت فترة طويلة لم أرتد فيها البنطلون أو القميص أو البدلة أو الكرفتة، ولا يدخل المشط من خلال شعري، فلا حاجة لي به. ولا أستطيع النهوض باكراً لأعدّ نفسي للخروج من بيتي .
ولم تعد لدي مقدرة أو استعداد نفسي لتقبّل تعب الحياة، ولست راغباً في ازدياد .
أين أنت أخي عبد الرحم هارون؟ وأين بكري، وقدورة، والسر؟ بالله أين أنتم؟ وهل تستطيعون النهوض باكراً؟ وهل ما زلتم تتحملون تعب الحياة المستمر؟