لو اختار عضو المجلس العسكري الإنتقالي الفريق أول طيار صلاح عبدالخالق (الصمت) لكان أفضل له من الحديث، فالرجل بحديثه هذا ذكر الناس بأنه أحد أربعة وصفوا بأنهم (غلاة الإسلاميين) في تشكيل المجلس العسكري الأول، غادر (ثلاثة)، وبقي هو وحيداً يستكمل دور الفريق أول عمر زين العابدين بتجميع (اليافطات) من موقعه كرئيس للجنة الفئوية والاجتماعية بالمجلس العسكري الانتقالي. لم يترك الرجل (حشد كان يحشده النظام البائد للمناصرة والتأييد إلا واستعان به) .. ظل الرجل يصنف وينظر إليه بوصفه ضمن التيار المعرقل والمعطل لأي اتفاق يتم بين مفاوضي المجلس العسكري وممثلي قوى الحرية والتغيير أما لماذا فذاك شأن تكشف عنه الأيام رويداً رويداً.
اختار الفريق أول طيار صلاح عبدالخالق بإفاداته تلك الطيران ومجابهة (المطبات) فهو يهاجم بشكل مباشر قوى الحرية والتغيير وضمناً تطال سهامه (المكون العسكري بمجلس السيادة)، فحالة الفشل التي تستوجب انتخابات مبكرة تطال كل الفترة الانتقالية (سيادة وحكومة وقوي حرية وتغيير) ..
يمتدح الثورة والثوار ولكنه وعيه يقذفه لا إرادياً في مستنقع (احتقارها).. ويمضي لأكثر من ذلك فلا يجد حرجاً من وضع ورقه كاملاً على الطاولة في ما يتصل بموقفه من رأس النظام المخلوع (لم نكن نريد وضعه في كوبر، لكن تعرضنا للضغوط .. القضية التي قدمت في مواجهته ضعيفة !!) ممتاز إذاً لماذا لم تقدم القضايا الأقوى؟ الإجابة بسيطة :لأنك وآخرين ظللتم تعرقلون هذا الأمر علناً وسراً، وتريد أن تجعله كمبارك رغم أن ذاك استقال وهذا خُلع خلعاً .. ويكمل الأمر بتأكيده أنهم (لن يسلموا البشير للجنائية وإن أرادت الحرية والتغيير تسليمه فليحاربوننا) !! وهنا يطرح السؤال (بلسان من يتحدث الفريق أول، فهو بلا صفة رسمية في القوات المسلحة، ولم يتبق من التوصيف إلا تسمية الأشياء بأسمائها “أنه يتحدث بلسان الجماعة وما أدرك ما الجماعة!!”) ولمن لا يعلم الجماعة المقصودة فهي ذات (الجماعة الحاكمة) التي ظلت تحكم البلاد لثلاثة عقود خلت، وبالتالي، فإن التصنيف الذي لازمه منذ أبريل 2019م بأنه (رابع أربعة من غلاة الإسلاميين ضمهم التشكيل الأول للمجلس العسكري الانتقالي عند تشكيله في منتصف أبريل 2019م برئاسة الفريق أول ركن البرهان بات لديه ما يعضضه ويسنده من قرائن ومواقف وأقوال).
بخصوص فكرة الانتخابات المبكرة التي طرحها الرجل فمن الضروري الإشارة إلا أن هذه الأطروحة ليست بجديدة على الرجل وسابقة للحال والمآل الراهن الذي يعتبره يستوجب تنظيم انتخابات مبكرة لتجاوز (الواقع الهردبيس) حسب وصفه .. وللتذكير، فإن الرجل صدح وجاهر بهذا الموقف منذ 24 مايو الماضي، وتحدث عن إجراء إنتخابات في حال انسداد أفق التفاوض مع قوى الحرية والتغيير -وقتها كان يتصدر الرجل التيار الممانع للتقارب والاتفاق داخل المجلس، ويحشد لهذا الأمر خارجه، وبالتالي فإنه فعلياً كان يعرقل أي تقدم في مسار المفاوضات- ويومها فإن الفريق أول صلاح عبدالخالق اقترح تنظيم هذه الانتخابات المبكرة برعاية أممية خلال شهرين أو ستة أشهر أو سنة بالكثير .. ومعلوم أن هذا السيناريو الخاص بالانتخابات المبكرة كان سيقودنا حتماً بخلاف تكرار تجارب ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م (حذو النعل بالنعل) سياسياً وأثاره السالبة على ملف السلام وإنهاء الحرب ومعالجتها جذرياً وضمان عدم تنظيم انتخابات جزئية بالبلاد تستثني منها لما هو أخطر وأهم والمتمثل في فتحها الطريق مجدداً لاستلام حزب المؤتمر الوطني وفلوله للسلطة مرة أخرى بالاستناد لسيطرتهم حتى تلك اللحظة على موارد ومؤسسات الدولة وحتى النقابات والاتحادات بشكل مباشر، فإن هذا السيناريو كان الخيار النموذجي والخدمة الأكبر التي يمكن تقديمها للنظام البائد وحزبه وقواعده ويعد بمثابة (تجريف كامل للثورة وجعلها كأنها لم تكن).
أعتقد أن هذه الإفادات افقدت الفريق أول طيار صلاح عببد الخالق بعض التعاطف الذي حظي به عند عدد من الأوساط جراء إبعاده من تشكيلة (مجلس السيادة) وحتى مقعدي مجلس الوزراء المخصصين للمكون العسكري المتمثل في وزارتي (الدفاع) و(الداخلية) إذ أنه الوحيد ضمن أعضاء المجلس العسكري الإنتقالي السبعة اختار رفاقه بالمجلس العسكري الانتقالي إخراجه من المشهد نهائياً، والآن بعد هذه التصريحات المنسوبة للرجل، فإن الناس والتاريخ يلزمهم تقديم صوت شكر لزملائه العسكريين الذين أحسنوا صنعاً باتخاذهم قرار إبعاده من مجلس السيادة والحكومة … في ذات الوقت لا بد أن يشكر الناس الفريق أول طيار صلاح عبدالخالق أيضاً لأنه اختار توقيتاً مناسباً ونموذجياً لهذه التصريحات حتى لا يتصدر اسمه مجدداً ولو من باب الإرهاصات أو المجاملات قائمة المرشحين لخلافة فقيد البلاد الفريق أول ركن جمال عمر في وزارة الدفاع .. أما في ما يتصل بالمواقف التاريخية للرجل التي كان يتبختر بها بوصفه ممن انحازوا للشعب ضد النظام البائد فقد اختار بمحض إرادته أن ينعاها بلسانه ويجعلها ركاماً ويحيلها رماداً و(يشيل عليها الفاتحة) !!
الجمعة 27 مارس 2020م