رغم إيماني بأن (الروح) العامة للإنحياز نحو المسار الديموقراطي من المفترض أن تسري تأثيراتها (التلقائية) على شتى أشكال ومضامين حياتنا ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة ، عبر إنتشار (عدوى) الثقافة السائدة وسريانها بشكل شبه إجباري حتى على (المُترَّددين) ، إلا أن الكثير من المؤسسات والأفراد على ما يبدو قد حازوا (قوةً جبّاَرة) وفعَّالة في مقاومة هذا الإتجاه العام المسنود بإرادة الشعب وتضحياته وآماله في ما يجب أن يكون عليه هذا الوطن تحت شعار حرية – سلام وعدالة.
ورغم محاولاتي المُستميتة في طرد فكرة أن فضائية النيل الأزرق ما زالت تعمل تحت جُنح (ظلامية) إعلام ما قبل الثورة ، إلا أنني وللأسف لم أستطع ، فكل المؤشرات العامة على المستوى الإداري والفني لا تدع مجالاً للشك أن القناة لم (تنخرط) بعد في ركب الإرادة الشعبية ، فبعض البرامج فيها ورغم أن سياقها العام على المستوى الظاهري يتسِّق مع تصنيفها كبرامج (نقدية) تستهدف سلبيات الواقع المُعاش ، إلا أن أسلوب عرضها وترتيبات إعدادها وسُبل إخراجها ، تفيدُ المُتمعِّن أنها و بـ (إستمتاع) تستهدف التعريض بشخوص وأدبيات المرحلة الثورية وذلك من خلال طرح النقد السياسي والإداري والفني لأداء الحكومة الإنتقالية من منظورات تبدو فيها (الشخصنة) واضحة المعالم ، هذا فضلاً عن إغفال الإشراقات والتركيز على السلبيات وطرحها (كمنظومة إحباطات) تدعو الناس إلى (الكُفر) بمبدأ التغيير الذي حدث ، إلى الدرجة التي تجعلني أحياناً أتوقَّع أن تختتم بعض البرامج طرحها بالتساؤل (ألم يكُن الماضي أفضل).
أما على المستوى الإداري فمازالت فضيلة (الحرية) والعدالة وإفساح المجال للتعبير عن الرأي ، بعد أن كُسر القيد ولم يعُد في السودان كبيراً على النقد والمحاورة والإتهام ، فما زالت إدارة النيل الأزرق تحكم قبضتها على معارضي النظام البائد من موظفيها وتسومهم كل أنواع التنكيل والعقاب ، لا لشيء غير أنهم يتطلَّعون لأن تُشرق شمس ثورتهم في فضائية النيل الأزرق لتضيئها عدالةً ومساواةً وإنحيازاً واضحاً لا يقبل الشك لإرادة الشعب وتوجهاته التي أقرتها مباديء الثورة.
فبعد توقيف موظفتين في قناة النيل الأزرق وإبعادهما ومحاولة فصلهما عن العمل ، إثر قيادتهما لوقفةٍ إحتجاجية مشروعة ضد ممارسات الإدارة والدعوة للإصلاح الداخلي في عهد الديموقراطية والشفافية والمصارحة ، وجب على وزارة الثقافة والإعلام كجهة مسئولة من المؤسسات الإعلامية أن تلتفت إلى تأمين (حقوق) شرفاء العمل الإعلامي في تلك المؤسسات وما يواجهونه من عنت ومحاربة وتنكيل جراء سعيهم نحو سريان التغيير الديموقراطي في مؤسساتهم ، فتلك المؤسسات وإن كانت خاصة أو غير تابعة للدولة كُلياً إلا أنها تظل موجَّهة لعموم الشعب السوداني الذي قال كلمته في ما يجب أن تكون عليه الحرية والعدالة والمساوة في كافة قطاعاته المهنية ولا نكوص ولا تراجع.