أوضحت الفترة الماضية عظم الجرح الذي أصاب فلول النظام البائد، كما أوضحت مدى قوة تأثير جهازهم الاعلامي في الشارع العام، خصوصاً أنه تمرس في العمل الإعلامي بشكل يصعب فيه مجابهته بالوسائل العادية، وقد وصلت جرأته في التمادي باستهداف الوقيعة بين الجيش وقوى الثورة لتوصيل صوته إلى أجهزة الاعلام الغربية، والأميركية على وجه التحديد.
حملت الأخبار أمس تأكيدات الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، أن قيادة القوات المسلحة بكل فصائلها ـ بما فيها قيادة الدعم السريع ـ تعمل في تناغمٍ تام، وانسجامٍ كامل، ويجمعها هدف واحد، ينحصر في حماية الوطن والثورة، للوصول بهما إلى بر الأمان.
واستنكر البرهان في تصريحات خاصة أدلى بها لصحيفة (اليوم التالي) السبت، انتشار إشاعات موجهة، تستهدف زرع وتغذية الفتنة بين الجيش وقوى الثورة، والتفريق بينهما، يتم نشرها بواسطة جهات مغرضة، ترمي إلى الوقيعة بين الطرفين.
وأكد أن موقف الجيش ثابت ولم يتغير، بصفته داعماً للتغيير، لم ولن يقف ضد إرادة الشعب مطلقاً، وختم البرهان تصريحاته للصحيفة بقوله: “نخشى أن ترتبط بعض تصرفات وأفعال القوى الثورية بتلك الأكاذيب والإشاعات السوداء، ونحن أكثر حاجةً للتعاضد والتكاتف لعبور هذه الأيام الصعبة”.
التصريح يؤكد الآلة الاعلامية لـ”الكيزان” في إشعال وإدارة الحرب النفسية، إذ استطاعت أن تزعزع في قناعات بعض العامة تجاه حكومة الثورة، من خلال بالونات اختبارية تمثلت في قضايا منع الصلاة في المساجد، وتنفيذ العزل الاجتماعي اتقاءً لكورونا، إذ زعمت أن الحكومة “العلمانية” بدأت تحارب دين المسلمين، وهذا أكسبها قبولاً لدى بعض العامة.
في جانب آخر، استطاعت اختراق بعض وسائل الاعلام العالمية وأوعزت بوجود تخطيط لانقلاب عسكري، يستقل حالة العزل الاجتماعي المفروض بكورونا، وهو ما نفته الحكومة وأكدت انسجام العمل بين كافة المكونات السياسية والعسكرية.
ويلاحظ في الأخبار “المسمومة” للكيزان استنادها عادة إلى مصادر مطلعة أو عليمة أو رفض ذكر اسمه، وهي من أساليب “إعلام الكهوف” تسهل معرفة مآربها، وكان ذلك ظاهراً في الخبر الذي ملأ الوسائط، وجاء فيه : “أبلغ مصدر عسكري رفيع (صحيفة التغيير) أنهم كشفوا عن مخطط انقلاب عسكري بمشاركة عسكريين نافذين بالمجلس السيادي الانتقالي. وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه (كشفنا في الاستخبارات العسكرية عن تخطيط لانقلاب بقيادة إسلاميين في الجيش، وبعلم عدد من العسكريين في مجلس السيادة)”.
ونوعية هذا الخبر يؤكد عدة حقائق أهمها أن الدولة العميقة مازالت تعشعش وسط أجهزة الاعلام، ولن تزول إلا بخطوة جريئة وسريعة من الدولة، إذ ليس من المعقول وجود موالين للكيزان على دست إدارة وكالة الانباء والفضائيات والصحف حتى الآن، يعيقون بوضوح وجرأة مسيرة حكومة الثورة، ويقيمون الأفراح عند نجاح خططهم حتى ولو كانت النتيجة انتشار وباء كورونا وسط المواطنين البسطاء.
التقرير الذي نشرته نيويورك تايمز أمس وكتبه المحلل ديكلان والش، كان تجميع معلومات منشورة من قبل، بيد أنه لم يستطع الفكاك من آلة “الكيزان” الإعلامية، حيث كتب: “ووصف مسؤول غربي مقيم في السودان، الخرطوم بأنها غارقة في شائعات عن انقلاب سيجري تحت غطاء الفيروس التاجي، لكنه قال إنه لا توجد علامات ملموسة على أي اضطراب”. وهو ما يوضح التأثير الإعلامى السالب للدولة العميقة حتى في خط سير الاعلام العالمي في كل ما يتعلق بالسودان.