لعل من هم مشكلات القضاء على ميراث الثلاثين عاما الماضية من الحكم غير الرحيم عدم التفكيك النظري، التحليلي الكافي للظاهرة السياسية الاسلاموية التي حكمت ووظفت الإسلام كأداة للسلطة السياسية، والنهب الاقتصادي. بتعريف انها ظاهرة الانتقام المجتمعي والاقتصادي العنيف.
سيظهر عاجلا ام اجلا ان إصلاح الخطأ لا بد من ان يبدا بتعطيل السلطة الغاشمة من منابعها الاقتصادية، والمفاهيمية الثقافية.
يجوز القول و بعيدًا عن اي وصف استهلاكي مكرر ومسمى يذهب الى تبسيط الكارثة ان ما حكمتنا قرابة الثلاثة عقود كانت هي ذات سلطة المنتقمين او الانتقاميين الاجتماعيين القادمين من الضفة المعتمة للتطور الثقافي والاجتماعي . ان فشلنا في خلق طبقة وسطى متحضرة، متينة، متماسكة البنيان، ذات أثر عضوي في التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي قد ساهم في انتاج الأوضاع المعقدة المعاصرة لحياتنا والمتمثلة في متلازمة الفقر والحروب الأهلية والدولة المختطفة.
لقد عملوا على انتاج البدائل باسم الأصالة الدينية الإسلامية في نسخها المعتمة، غير المفعلة، وإغراق المنظومة او المجتمع السياسي المضاد في الفشل حتى إذا ما عاد الى السلطة ولو في أنظمة ثورية موازية تكشفت تواضع مهاراته في ابتكار الحلول الذكية والسيطرة على مفاتيح سؤال النهضة كرد على ما واجهه من نكبة ومصير بائسين.
التأسيس لطبقة وسطى جديدة ذات بنيان صلد ولسان فصيح في التعبير عن افكار التطور هو ما سيكون الضامن الفعلي لاستمراريته و استدامته، وعدم ارتكاب الردة الحضارية للمجتمعات السودانية. ذلك لن يحدث دون استعادة زمام المبادرة لإنتاج حقبة جديدة من العمل على مادة الواقع بالمواكبة والتحديث الاقتصادي بإعادة التخطيط والنظر الاستثماري الخلاق الجديد للموارد على قاعدة العدالة واحترام حقوق المواطنة في الاستثمار . ذلك للأسف لن يتم بتعديل وتحسين العقل السياسي السائد الراغب في التغيير وكفى، ولكن بهدمه وإعادة تشكيله بواسطة العقل الثقافي الثاقب النظر لمستقبل جاذب وجدير بالحياة يقرا التطور في مظانه الخصبة وحلقاته الحية الحيوية بأعمال التفكير النقدي المعمق لما ساد من تجارب سياسية في علاقتها بالتفاعل والعمل بنتائج العلم و هندسة الذهنية القائدة على مواده ومنتجاته. المرحلة الانتقالية ستظل تكابد التأرجح بين الولادة الجديدة و اعادة انتاج القديم ما لم تضع أقدامًا على ارض من الأفكار الجريئة والقرارات الشجاعة في علاقتها الإيجابية بالمستقبل دون انحياز وتحيز لقوالب ونماذج جاهزة منجزة من ذي قبل.