تفتقت عبقرية الشعب السوداني معلم الشعوب عن ثورة شهد لها القاصي والداني بعظمتها، وهي عظمة هذا الشعب وإباؤه وشممه… المدهش في ثورة ديسمبر- أبريل المجيدة التي أظهرت فدائية أهل السودان شباباً ورجالاً ونساءً…وبسالتهم واقدامهم وهي صفات لا شك أنهم رضعوها من ثدي أمهاتهم، وتعلموها تربيةً وسلوكاً من الأباء…هؤلاء رسموا لوحة بديعة بهية.. حضوراً وفدائية ستظل محفورة في ذاكرة التاريخ مكتوب عنوانها بتلك الدماء الطاهرة الزكية… ثورة ازالوا بها نظام الإنقاذ البغيض…ويستمر بهاء اللوحة وجمالها بالاعتصام، الذي تمثلت فيه أرقي صور الإيثار والكرم والتكاتف والتعاضد من أجل سودان العزة والكرامة.
ثورة بهذه العظمة وهذا البهاء جعلت سقوفات آمالنا وطموحاتنا وتطلعاتنا عالية في مجالات تطوير الإدارة العادلة، وتاكيد قيم الديمقراطية والشفافية وسيادة حكم القانون، وترسيخ القيم الوطنية والمجتمعية ، وروح الوطن الغلابة. ويحق لنا أن نحلم وسنظل في حلمنا إلي أن يتحقق باذن الله…وارتفعت طموحات كل الشعب من أجل عيش كريم ولو علي حد الكفاف مع الحرية والعدالة وسلام تنعم به ربوعنا الحبيبة..لا سيما وأن شعار الثورة المستمر..حرية سلام وعدالة..
ومع مضي الأيام وللأسف بدأت احلامنا تتبدد، وسقوف طموحاتنا تبدأ في الهبوط صوب مطار اليأس، وآمالنا تذروها الرياح ..ليست لأنها بنيت علي وهم ، ولكن لأن الحال في السودان ظل يراوح مكانه منذ قيام الثورة…بصورة جعلتنا نضع الأيادي في القلوب؛ خوفاً عليها من الادعياء وأصحاب الأجندات الخفية.
والملاحظ انه ومنذ بزوغ فجر هذه الثورة العظيمة والي تاريخنا هذا نجد أن عدم الانسجام وضعف الممارسة يلازمان قوى الحرية والتغيير الحاضن السياسي للفترة الانتقالية، وهذا أمر واضح لكل ذي بصر وبصيرة…وينسحب ذات الأمر علي الحكومة الطرف الآخر في المعادلة السياسية. فمن العجب العجاب أن من قدمناهم لتحقيق مطالب الثورة وفي مقدمتها إزالة تمكين الإنقاذ بدؤوا في تنفيذ نوع جديد من التمكين عبر المحاصصات في تسنم كل موقع حكومي او شعبي .
وأنا هنا أود أن أشير لإجرائين مهرهما بتوقيعه عضو مجلس السيادة محمد الفكي يصب في إطار محاصصات التمكين الجديد، والموضوع في نهايته ليس محسوباً على شخص،ه اذ المسؤولية حتماً تطال مجلس السيادة المسؤول على إدارة الدولة في قمته. وفي كلا الموقفين حرص السيد عضو مجلس السيادة على إرضاء طموحه هو ومجموعة أراد أن يحقق لها ما تريد، بعيداً عن مصلحة المواطنين ومصلحة الوطن …وأري أنه هنا حقق عكس مقاصد الثورة تماماً، ووأد الشعار المرفوع الذي سيظل باذن الله مرفوعاً (حرية سلام وعدالة )…
الموقف الأول:-
- وقع السيد عضو مجلس السيادة علي تشكيل لجنة التفكيك بولاية الجزيرة. ولعلم القارئ أن اللجنة التي اعتمدها السيد الفكي لم تمر عبر لجنة قوى الحرية والتغيير بولاية الجزيرة، بل إن أكثر من كتلة داخل الحرية والتغيير لم تصل لاتفاق لتسمية ممثلها باللجنة، كما أن بعض الكتل حتي كتابة هذه السطور لم تتفق علي ممثلها. واري ان هذا الأمر تم بين السيد عضو مجلس السيادة وآخرين أعجز عن معرفتهم. والأدهى والأمر أن أحد أعضاء اللجنة لا علاقة له بمكونات قوي الحرية والتغيير أو أجسام الثورة عموماً؛ مما يدعو للدهشة.. واقول إن هذه اللجنة الان مرفوضة تماماً من قوي الحرية والتغيير بولاية الجزيرة.. لمصلحة من يتم هذا؟
الموقف الثاني:-
وقع السيد محمد الفكي عضو مجلس السيادة علي خطاب اعتماد للجنة تسيير مزارعي الجزيرة والمناقل.
ونبدأ بالاسم شكلاً (لجنة تسيير اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل )..أصلاً لا يوجد اتحاد، ومعلوم أن قانون تكوين الاتحادات لم يجز بعد، فمن أين للسيد عضو مجلس السيادة بهذا الاسم شكلا ابتدءًا؟ أما من ناحية المضمون فاتحاد مثل اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل أو لجنة تسيير أو أي جسم نقابي يتحدث باسم مزارعي الجزيرة والمناقل.. هذا المشروع والذي قطعت أوصاله سكاكين الإنقاذ وأهدرت دمه لصالح جمعيات وجماعات امتصت دماء المزارعين؛ بمساعدة اياد قذرة ممثلة في اتحاد مزارعي الإنقاذ، الذي يأتي بالوصاية وفرض الأمر الواقع. ولا صوت فيه للمزارع ولا حول له ولا قوة حيال الألاعيب والجلوس في الخفاء في الحيشان(جمع حوش) والدواوين(جمع ديوان). .وعمل قائمة ليباركها شيخ فلان وتاتي فوق رؤوس الجميع..اتحاد كهذا يجب أن يأتي من القواعد..خ اصة مع درجة الوعي المتنامي عند مزارع الجزيرة والمناقل.
الآن وبعد ثورة ديسمبر -ابريل المجيدة والتي ظننا لا وصاية بعدها ولا تدجين للمزارع، ولا قمط لحقوقه. يطل علينا السيد محمد الفكي عضو مجلس السيادة بلجنة تسيير لأكبر مشروع زراعي في العالم لا علاقة لها بالمزارعين، ولا تعبر عن إرادة الجماهير. بل الأمر أعمق من ذلك بكثير، ذاك أن حلقة من المتآمرين اجتمعوا ووقعوا على اعتماد هذه اللجنة عند أزرق طيبة؛ كغطاء لتمرير أجندتهم، وباركها آخرون، وبقيننا أن أزرق طيبة إن ادرك المؤامرة لما سمح لها ان تخرج من داره لمعرفتنا بجهاده وصفاء نيته وسريرته، ولكن أن يكون السيد عضو مجلس السيادة غائبة عنه الحقيقة أو اتخذ قراره، وهو عالم بخيوط المؤامرة، فكلا الحالين يمثل كارثة في حق من أوكلت له مسئولية سيادية، وفي ذات السياق لا أجد له عذر البته. أما إذا أراد أن يكبر كوم حزبه، فهذا من حقه في ظل التنازع القائم الآن، وكل فئة تود أن تكون لها الحظوة الكبري في هذه الفترة تحسباً ورسماً لمقبل ايام ما بعد الفترة الانتقالية… ورسم خطوط وخطي تحقق لهم مرادهم مستقبلًا.. فإن غابت الحقيقة عن السيد عضو مجلس السيادة، أو غيبت عنه في امر بهذه الدرجة من الأهمية وفي ولاية من أكثر الولايات عطاءً واستنارة.. هنا يجب أن يقف الجميع ..فقط من أجل الوقوف علي حقيقة الأمر والتحري فيه لاقصي درجة..والتوقيع علي هذه اللجنة، وبهذه الطريقة اوقع السيد عضو مجلس السيادة في المحظور.
والأمر هنا سيدي عضو المجلس الموقر لا مجال فيه للمحاصصة أو الترضيات. فاتحاد المزارعين لا يأتي بإشارة من سيد أو امر من مسئول اي كان موقعه فهذا المزارع البسيط سيد نفسه، وهو يرابط بين التقنت وأبو عشرين متوشحا بلهيب الشمس ملتحفا السماء متابعا عملياته الزراعية وعينه واذنه مع المسؤولين في البلد ويده فوق ايديهم من أجل هذا البلد ورفعته..وهم يشيحون بوجوههم عنه ويقمطونه حقه.. ولسان حاله يقول انا معكم فقط اعيروني اهتماماً.. أنا مع بلدي فقط أختار أنا من يمثلني لا غيري ..
خلاصة: أقول إن لجنة ود الفكي لا تمثل إلا نفسها، ومن باركها، علي قلتهم ومن مهرها بالتوقيع..
وهذه صيحة في فضاءات العدل إن وجدت… وصرخة للسيد رئيس مجلس السيادة والسادة أعضاء المجلس والسيد رئيس مجلس الوزراء وكل من يعنيه الأمر.. واقول إن النار من مستصغر الشرر.. لعل صرختنا هذه تجد اذناً صاغية..وان صمت الأذان دونها فمزارعو الجزيرة والمناقل يستطيعون وقادرون أن يسمعوا صوتهم لكل من به صمم..ولنا عودة اخري..
والله من وراء القصد والسبيل…