ظل جميع أبناء الشعب السوداني ينظرون بكل فخر واعتزاز، ويشعرون بالفرح والسعادة للأداء المتميّز الذي ظلت تقدمه (لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال). هذه اللجنة الفتية تستمد قوتها وسلطاتها من الوثيقة الدستورية، بوصف الدستور هو أعلى هرم في السلطة. وتستند في عملها على أطر قانونية راسخة لتحقيق العدالة واسترجاع أموال الشعب السوداني المنهوبة وفقاً لآليات تقصي دقيقة، وتحقيق نزيهة، وشفافية تامة لاسترداد كافة الأصول والأموال التي تم الاستيلاء عليها دون وجه حق.
ونعلم جميعاً أن للفساد آثاراً سالبة ومدمرة للدولة؛ لأنه يعوق جهود التنمية، وأعمال التطور، وضياع فرص الاستثمار، وعلاوة على ذلك يبدد الموارد والإمكانات ويسيء توجيهها، ويعوق مسيرتها. كما يضعف فاعلية الأجهزة الحكومية، ويتسبب في خلق حالة من التذمر والغضب وسط الشعوب.
ومنذ تكوين لجنة إزالة التمكين، ظل الشعب السوداني يترقب بشغف كبير، وباهتمام زائد، المؤتمر الصحفي الذي تقدمه هذه اللجنة لتفكيك براثن الظلم والفساد الذي ضرب كافة مفاصل الدولة، وشمل جميع الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية. وتقدم لنا هذه اللجنة في كل مؤتمر صحفي “دروساً وعبراً” تقودنا إلى الحكم الرشيد الذي ننشده في السودان.
وأريد أن أشير في هذا المقال إلى بعض هذه
الدروس، وهي كثيرة تحتاج إلى مقالات ومؤلفات، ومنها أنها أثبتت لنا أن من كان يحكم
السودان خلال حكم الإنقاذ المشؤوم، هم مجموعة من الخونة واللصوص والمجرمين، الذين
لا دين لهم، ولا أخلاق، ولا وطنية. وإن هؤلاء الفاسدين ليس لهم أي وازع ديني، حيث
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى
أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ
اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾
النساء: 58. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لَا يَسْتَرْعِي اللَّهُ
عَبْدًا رَعِيَّةً يَمُوتُ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهَا إِلَّا حَرَّمَ
اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّة”. ولعل أسوأ أنواع الفساد الذي قام به هؤلاء الخونة
هو الفساد باسم الدين.
ومن الدروس أيضاً أن حكام الإنقاذ أثروا ثراءً
فاحشاً على حساب الشعب السوداني، وصحته، وتعليمه، وخدماته. وإن الفساد الذي تم
الكشف عنه يمثل قطره في بحر من الفساد، حيث تمت سرقة المال العام بطريقة فظيعة،
وغير مسبوقة، ولم يشهد السودان مثلها طوال تاريخه الحديث. ولذلك وصف عضو لجنة
إزالة التمكين الأستاذ المحامي وجدي صالح، هذا الفساد بأنه “أكبر مما يتصور
أي شخص”. لأنه فساد ممنهج يعكس مدى حجم التلاعب والاستهتار واللامبالاة في
أكل المال العام، وضياع حقوق المواطنين،
وإساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة.
ومن هذه الدروس، أن
هؤلاء اللصوص جلبوا الخزي والعار لعائلاتهم بأفعالهم القبيحة التي لا تشبه أخلاق
وكرم وطيبة الشعب السوداني. وإن ما تم جمعه من حطام الدنيا ومتاعها الزائل، من
أموال طائلة وبنايات شاهقة لم يستمتعوا بها لأن مكانهم المناسب هو السجن.
وتؤكد لنا أعمال هذه
اللجنة، أن الوظيفة العامة هي تكليف ولا تشريف، وأنها ليست أداة لنهب أموال الشعب حتى
تنتهي ظاهرة الفساد تماماً في السودان. كما تقدم هذه اللجنة رسالة قوية للثوار بأن
ثورة ديسمبر المجيدة تسير في الاتجاه الصحيح، وأن تحقيق العدالة سيطال كل المجرمين،
وأن هذه اللجنة ستعمل على ردع كل ظالم ومُعْتَدٍ أَثِيمٍ.
ختاماً يحدونا الأمل وكلنا ثقة بأن هذه اللجنة ستواصل أعمالها ليلاً ونهاراً، وبالسرعة المطلوبة لإعادة الحقوق إلى أهلها، ولحاجة البلاد الماسة لهذه الأموال الطائلة المنهوبة، والاستفادة من هذه العقارات الضخمة المسروقة بتحويلها إلى مقر لمؤسسات وهيئات حكومية، ومرافق صحية وتعليمية لخدمة الوطن والمواطن.
صحفي سوداني مقيم بالسعودية