(كنت نصحت فريق المعارضة الرسمية للإنقاذ ألا “يقبقب” شيع الإصلاحيين المختلفين التي خرجت من عباءة الإنقاذ أو المؤتمر الوطني. وقلت لهم إنكم، بطلبكم منهم التوبة عن “خطيئتهم” في الإنقاذ لجنابكم العالي، إنما “تَدَّينون” السياسة وأكثركم “مدني” الهوى. وقلت لهم إنكم لو عرفتم عن أكثر هذا النفر الإسلامي ومساعيه ليسترد نفسه وحركته من مغبة الإنقاذ لتواضعتم تواضعاً كبيراً ولعنتم إبليس احتكاركم البسالة. وهذه كلمة عن الدكتور الطيب زين العابدين كتبتها قبل سنوات مثلاً لأدب المعارض الآخر).
توقفت بأسي شديد عند قرار الدكتور الطيب زين العابدين بالصوم عن الكتابة للصحافة السودانية حتى تعود صحيفتا “خرطوم مونيتر” “والوان” إلى الصدور. وقدم الطيب لقراره بحيثيات تنبيء عن انشغال ناضج بقيمتي العدل والحرية. وددت لو تفادي الطيب مع ذلك هذا الانسحاب المباغت من ساحة الرأي في صحافتنا. واعترف أن حالة الصوم هذه تعتري الكاتب في صحافتنا بشروط الانقاذ.
واذكر أنني قلت للأستاذ ادريس حسن يوماً إذا “تجرأت” أقلامنا بنقد رجال لهم عصبة السيادة مثل الصادق والميرغني وقرنق ونقد فكيف يحولون بيننا وبين تناول رجال في الانقاذ لم يبلغوا مبلغهم. فنحن طلاب حق ومتي بطل طِلابه الا من جهة واحدة طويت الصحف وكسرت الأقلام.
أحزنني ما بدا لي من يأس الطيب من تجربة صحافة الانقاذ. ونحن نعترف له وطائفة من مثقفي الحركة الاسلامية (الدكاترة حسن مكي والأفندي ومحمد محجوب هارون وخالد التيجاني الاستاذ عروة) بالفضل بجذبنا إلى الكتابة فيها لأنهم لم يؤجلوا محاسبة حركتهم وهي في الدولة بدعوي حرج الظرف. بل صدعوا بالحق.
وسمي عبد الوهاب الأفندي هذه الهمة في نقد حزبك ب “تعقب حركتي ومساءلتها”. ولم يسبقهم إلى ذلك الا شيعة أستاذنا عبد الخالق محجوب بعد انقلاب مايو. ولا نُفصل. وقد حمدت للإنقاذ أنها أذنت لهم بنقدها. وربما كسبت بهم كسباً لم يقع لها في جبهات أخري. ومع ذلك دفعت هذه الفرقة الاسلامية فاتورة سعيها للحق والعدل. فقد سمع الطيب مثلاً ما لا يرضي عن هجرته طلباً للدولارات حين علق على مسألة حلايب. وربما بلغ طلب الحق والعدل بهذه الفرقة حداً متطرفاً. فقد اشتكي لي انقاذي متنفذ ان ما يكتبه العبد الفقير عن الإنقاذ أراف بها مما يكتبون. وربما علموا أكثر مما أعلم.
مؤسف ان يختار الطيب مبارحة الساحة في وقت نكاد نبلغ أكثر غايتنا في حرية الصحافة. فالصفوة السياسية حاكمة ومعارضة تولي وجهها شطر الصحافة الآن. فقد اقتنع بهذه الساحة المعارضون وبالغوا في طلب حريتها. وكان هؤلاء حتى عهد قريب قد دقوا جزيمهم أن الصحافة متعددة الاصدار الحرة لن تأتي إلا بعد تفكيك الانقاذ. ومن الجهة الأخري فقد اقتنعت الانقاذ السياسية أنها بغير “هامش” الصحافة لن تكون شيئاً مذكورا. والرئيس البشير قد ربط ربطه مع حريتها مراراً وتبقي أمامه وقت قليل جداً ليقرن القول بالفعل.
لم يقتصر انجازنا في الاصدار الصحفي المتعدد على مساءلة الدولة بقدر ما تيسر فحسب بل أصبحنا نتحول إلى المهنية التي تبقي ممسكة علي جمر المهنة بغض النظر عن نوع الحكم بالبلاد. وودت لو توفرت لي قراءة المادة موضوع النزاع في ايقاف المونيتر والوان. فمع احتياجهما إلى التضامن فلربما احتاجا أكثر إلى نصح زمالي مهني عن أدب الخطاب. فلم تكن الحكومة وحدها هي التي اشتكت من ألوان بل مؤسسات لا ود لها مع الانقاذ كاتحاد طلاب جامعة الخرطوم. بل إن زميلنا وراق ظل يكتب أحر دفوعاته عن فكره للرد على ألوان. والخشية أن يكون هناك شئياً “تابلودياً” في أصل ألوان قد يصعب الدفاع عنه في أحسن الأحوال.
إننا لنضن علي الطيب بالترحل عنا. وعلى ضوء حيثياته النافذة لسوء تعامل الدولة مع المونتر والوان اقترح علي القيادة الصحفية في الاتحاد او في الجماعة أن تراجع الدولة في الشأن ثم تتخذ من الخطوات ما يرد الاعتبار لحرية الصحافة ويرد الطيب، بلبل دوحتنا، ليغرد في سرب كان أنشأه أول مرة.
IbrahimA@missouri.edu