انعقد بالعاصمة الفرنسية باريس في السابع من هذ الشهر، الاجتماع الدوري لمؤتمر أصدقاء السودان، وجاء الاجتماع عبر تطبيق «الفيديو كونفرنس» بسبب احتياطات جائحة «كورونا»، لمواصلة نقاش برنامج الإنقاذ الاقتصادي الذي قدمه وزير مالية السودان، وشاركت في الاجتماع سبع عشرة دولة أوروبية وإفريقية وعربية، إضافة لمنظمات دولية «الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي»، وإقليمية «الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي»، ومصارف «البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي»، وسأتعرض لاحقاً لمخرجات هذه الجولة السابعة من اجتماعات أصدقاء السودان، وما نتوقعه من دعم اقتصادي وعدوا به إثباتاً لحسن نواياهم، ورغبتهم في دعم التحول الكبير الذي يحدث في السودان، ومدى تأثر ذلك الدعم بتداعيات جائحة «كورونا».
غير أنني أودّ في هذا المقال أن أتعرض لملاحظة وردت في بيانهم الختامي حول الإصلاحات الهيكلية في المجال الاقتصادي، التي يعتزم السودان تنفيذها حسب ما أوضح لهم وزير المالية السوداني، فقد أبدى المشاركون في الاجتماع ملاحظة حول قضية مهمة في الإصلاحات الهيكلية، وأثرها المباشر على الفئات الاجتماعية الأضعف، والتي يمكن أن تضر كثيراً بموقفهم وتحملهم من الأعباء ما لا طاقة لهم به، لذلك عبّروا عن إصرارهم على أن تعطى الأولوية في أي برنامج إنقاذي في البداية «لترتيبات تخفيف الأثر الاجتماعي للإصلاحات لدعم الأسر الأكثر ضعفاً»، وهذه هي المرة الثانية التي تلفت النظر فيها منظمة دولية لحساسية الأثر الذي تخلّفه الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية المقترحة على الأسر الأكثر ضعفاً، إذ توقفت أيضاً في شهر أكتوبر الماضي «حوارات أهل المصلحة»، التي أدارتها شاتام هاوس البريطانية حول الشأن السوداني، عند هذه النقطة طويلاً، وهي تلخص مجمل الحوارات التي دارت في لندن وفي الخرطوم حول السودان، في مذكرة إحاطة أعدها أحمد سليمان، وقدم لها رئيس وزراء السودان وجاء فيها «صفحة 4»:
«بدون القبول العام، فإن الإصلاحات المؤلمة قصيرة الأجل -من قبيل التغييرات المحتملة على الدعم السلعي- سوف تواجه بالمقاومة، وعلاوة على ذلك يجب على الحكومة الانتقالية وضع التدابير الكافية لحماية أكثر المواطنين ضعفاً، وضمان عدم تضررهم أكثر مما تضرروا، ويجب الحرص على أن تكون أجندة الإصلاح السياسي والاقتصادي عريضة القاعدة وتعاونية، تشمل النساء والشباب والمجموعات المحرومة والمناطق الهامشية».
م تعود هذه المذكرة نفسها في صفحة تالية «صفحة 5» لتقول: «إن حجم التغيير المتوقع خلال السنوات المقبلة، وشدة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، تعني أن العديد من الإصلاحات الأساسية ستكون حسّاسة للغاية من الناحية السياسية، ويجب أن تُجرى الإصلاحات -الاقتصادية- بالتوازي مع التحوّل السياسي، ومع صياغة عقد اجتماعي جديد مبني على سلام شامل وعادل، وسيتطلب ذلك أيضاً إصلاحات الحوكمة، التي تعطي أولوية للمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان، وزيادة وتعزيز جهود المساءلة والشفافية ومكافحة الفساد».
الأطراف التي قدمت هذه النصائح هي أطراف صديقة للحكومة، وقدمت النصائح من واقع تجربتها، والإصلاحات الهيكلية المقترحة حقيقة صعبة ومؤلمة وشديدة الضغط على الشعب، وبصفة خاصة على الشرائح الفقيرة والضعيفة التي ليس في مقدورها أن تتحمل مزيداً من الأعباء، ولذلك لا بدّ من التريّث في تطبيقها، وأن نعطي الأولوية للإجراءات التي يمكن أن تخفّف آثارها الجانبية، وأن ننفّذها ضمن حزمة متكاملة من الإصلاحات الاجتماعية والسياسية، وأن نضمن لها قبولاً شعبياً مسبقاً عن طريق شرحها وتجربة وسائل تخفيف أعبائها، والتأكد من أن إجراءات التخفيف تعمل بكفاءة، غير أن الواقع يشير إلى أن الإصلاحات الهيكلية المقترحة لا تزال محل خلاف بين الحكومة وحاضنتها السياسية «تحالف قوى الحرية والتغيير»، ولم تنجح المحاولات السابقة للتوفيق بين الطرفين والوصول إلى مشروع مشترك، وإقدام الحكومة على إنفاذ مشروعها دون تحقيق التوافق المطلوب مغامرة غير محسوبة النتائج، ومن شأنها أن تفجّر الأوضاع تحت ظل التحديات العديدة التي تحيط بالمشهد السياسي العام اليوم، ونصيحتنا للطرفين أن ينخرطا من جديد في جولة محادثات يرعاها هذه المرة رئيس الوزراء شخصياً، ويقودها إلى بر آمن، فهل يستبين القوم النصح قبل ضحى الغد؟