الفوضى الخلاقة (creative chaos) أصبحت آخر ما سيلجأ إليه أعداء الثورة، الذين سيفقدون مصالحهم بزوال نظام الإنقاذ البائد بعد فشل كل محاولاتهم لإجهاض زخم الثورة والتغيير؛ بهدف تعديل الأمور لصالحهم، والواقع الثوري الملتهب بحماس لجان المقاومة،والصف العريض المتراص من المواطنين الشرفاء المؤمنين، وباقتناع تام وأكيد بفشل سياسات ذلك النظام المنقلع، وفساده الذي أزكم الأنوف وأوصل الوطن الى الحالة السيئة، والدرك السحيق الذي أصاب الشعب السوداني المسالم في مقتل حط من معيشته وأصالته وسبل تقدمه.
فالفوضى الخلاقة التي سيلجؤون إليها ستكون فرصتهم الأخيرة، وحصان طروادة الحصين بالنسبة إليهم، ولا شك أن عواملها لديهم متوافرة، بحيث يعملون على إحداث فوضى متعمدة الأحداث وبأشخاص معينين بدون الكشف عن هويتهم لخلق وإنتاج حالة سياسية تخلط الأوراق، وتجعل الناس بلا هدى ولا موجه، وتختلط عليهم الامور، وينتابهم التشكيك، وفي تلك الظروف يحاولون إعادة دفة القيادة لسيطرتهم…
ولعل ما فعلوه بافتعال فوضى وحرق طلمبات البنزين بمجهولين خلال ثورة الشباب السلمية في سبتمبر 2013 وتمكنت قوات أمنهم من اجهاض تلك الثورة العارمة بالاعتقالات التعسفية، والعنف المميت للشباب ضربٌ من المثال لذلك.
ولا يختلف اثنان أبدا على توافر عوامل افتعال تلك الفوضى، مثل المناوشات بين بعض القبائل في دارفور، والاختلافات القبلية في الشرق، والمد والجزر الذي يحدث في مناقشات الحركات المسلحة في جوبا، واستغلال الضعفاء بالأزمات المعيشية، ومحاولة إشعال نار الفتنة، واختلاف الرأي في أداء مهمة البعثة الأممية….إلخ وقد نوهوا بإمكانية افتعالها مراراً في أثناء بدايات هذه الثورة والتخويف منها، والتمثيل لها بما حدث في ثورات ليبيا وسورية واليمن، ولكن باءت نداءاتهم تلك بالفشل الذريع بوعي الشعب السوداني، وباقتناعه بضرورة إزالة حكمهم البغيض…
وعليه يجب الانتباه واليقظة من الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي لعدم إعطاء فرصة نجاح لأي محاولة لخلق فوضى في الوطن لشق الصف، والاجتهاد في سد نواقص الأزمات المعيشية المؤثرة في حياة المواطن، وعلاج الاختلافات بالحكمة والروية، وعلى الحركات المسلحة أن تهتم بحل مشكلات الناس، وأن تبتعد عن المحاصصة والجري وراء المكافآت الوظيفية.
وعلى القوات المسلحة وقوات الأمن أن تكون للوطن لا للتبعية لأي حزب أو كيان، وأهم من ذلك كله مواصلة الشعب لحماية ثورته، وأن يراعي حساسية ومفصلية هذه المرحلة الانتقالية المشوبة باختلافات الرأي، وهو حق للجميع، ولكنه لا يكون بالضرورة سبباً في خسارة الجميع لمصالحهم المشتركة، فبالصبر والأصالة السودانية واللحمة الواحدة والتراث المتنوع المشترك وبالوطن المتسع الغني بالثروات الذي يسع الجميع وبالروح السودانية الأصلية يجب ان نضع الوطن في مكانه الصحيح بين الأمم بشبابه الواعي الذي فجر ثورة ديسمبر التي أبهرت العالم بأيقوناتها الثلاث: حرية وسلام وعدالة … فإذا سرنا صفاً واحداً بالاتفاق والعمل المخلص والجاد واحترام بعضنا بعضا، فلنحلم بسودان جديد ينافس الأمم المتقدمة والراقية…
الرياض