استمعت اليوم إلى بيان وزير الصحة الخاص بموقف الكورونا.. وهو بيان عمد فيه إلى تخويف المواطنين ودفعهم للالتزام بقيود الوقاية، خصوصاً أننا شعبٌ مستهتر، ولا يتَّبع أي نظم إلاّ بالقهر والشدّة.. ولكن.. وحتى الآن نجد أن خطط الحكومة المعلنة قد خلت من أي جهد داخلي لمواجهة الجائحة التي لم تنجُ منها أي دولة في العالم، واستوت فيها الحاجة لكل شيء لدرجة تجعل من يعتمدون مثلنا على المساعدات الخارجية أضعف من مجابهة الكارثة. فالكل يحاول أن يوفر الإمكانيات لشعبه أولاً.
كنت أنتظر أن تبدأ الحكومة بدراسة الأمر، ووضع توقعات محسوبة، وتبني عليها خطط المواجهة، لا أن تعتمد على إحصاءٍ غير واقعي على عدد الإصابات والوفيات وحالات الشفاء.. بمعنى أن تصل الحكومة مسبقاً الى وضع سقف أعلى ومحتمل لحالات الإصابة في بلد تعداده أربعين مليوناً نصفهم من الأميِّين من سكان القرى، ونصفهم الآخر من غير المبالين الذين لا يحترمون نظاماً، ولا حكومة ويدَّعون معرفة كل شيء.. هذا السقف يُقدَّر افتراضاً في حالة الكوارث العامة بناءً على ضراوة الكارثة ومتانة بنية مقاومتها كوفرة أماكن ووسائل العلاج والفحص المبكر والتزام الجميع بأسس الوقاية.. هذه النسبه تُقدَّر في بلدٍ مثل إنجلترا باثنين في المائة.. فأقول من باب أولى في بلدٍ كالسودان فيه كل العِبَر يمكن أن تصل إلى خمسة في المائة.. يعني 2 مليون حالة.. ثم نعد أنفسنا لمواجهة أقل خسائر من هذا العدد وفق ما لدينا من إمكانيات وما نستطيع اضافته لها بامكانياتنا الذاتية وما يمكن أن يتوفر لنا بالعون الخارجي.
قام حمدوك باطلاق نداء (القومة للسودان) ونجح في أيامه الثلاثة الأولى ثم خفت حِسّه، ولا أدري كم جمع.. وقامت بعض الجهات على قلتها بتقديم مبانٍ لتكون مراكز استشفاء، وقدمت دولتان أطناناً من المعدات والأدوية، وأصدرت الحكومة أوامر التوعية والحظر الذي لا تستطيع كل القوى الحكومية تطبيقه.. وقال وزير الصحة إنه لا يستطيع حماية الكادر الطبي لعدم توافر الكمامات والقفازات وملابس الوقاية..
- يجوز فرض المال بالاقتراض من النظام المصرفي، ووقف أو تقليص زيادات الأجور الى حين، والاستيلاء على التعويضات الضخمة التي حصل عليها (مرافيت التمكين الفاسدين..) تصوّروا أن واحداً منهم فقط حصل على مبلغ 12 مليار جنيه.
- يمكن زيادة مراكز العلاج باستخدام المباني الحكومية والمدارس والأندية الرياضية وغيرها وتحويل أسطول السيارات الحكومية الى وسائط نقل طبي وإسعاف.
- لماذا ننتظر ان تأتينا مستلزمات الوقاية من الخارج؟! يجب أن يتم تحويل كل (ترزية) البلد ومصانع الملبوسات المدنية والعسكرية إلى مصانع كمامات وقفازات وسترات وقاية.. والحمد للّٰه الأقمشة والبلاستيك متوافرة.
- يمكننا الاجتهاد باستيراد المواد الخام للأدوية والمحاليل الطبية والمعقمات من الخارج بالعلاقات، والاتفاقيات الدولية، ومساهمات المنظمات الصحيّة الدولية.. (مشكلتنا أن وزيرة الخارجية مختفية من المسرح تماماً، وما عندنا واحد زي الدكتور منصور خالد، رحمه اللّٰه يحلها لينا بالتلفون).
- التوزيع العادل لإمكانيات الفحص الأولي وعلى أي مستوى حتى البدائي منها سيعطينا أرقاماً اقرب للواقعية مما نحصل عليه الآن من أرقامٍ لإصابات جلها في العاصمة، كأن الأقاليم شبه خالية من المرض.
أرى أننا لو وضعنا سقفاً لانتشار المرض لا يتجاوز 400 ألف، إصابة ووفيات لا تتجاوز 20 ألف شخص، وعملنا بجد، فإننا سنكون قد حققنا لوطننا سلامة من الكارثة وعبرناها بأقل الخسائر.
نحن أمة وحكومة مشغولون بالإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي التي لا تتحدث عن شيء غير الكورونا فقط ولا تقدِّم حلولاًِ من أي نوع.
ليتك تُسمِعُ أحداً هذا الرأي، فالخطر لن يتوقف برفع الغرامات وتغليظ عقاب المخالفين للحظر ولا بالحظر وحده ولكن بالعمل الجاد والإعتماد على الذات.
مدرِّب ومحاضر مختص بما يعرف بــ(الإفاقة من الكوارث والتخطيط لاستمرار أو مواصلة الأعمال)
(Disaster Recovery and Business Continuity Planning)
29 أبريل 2020م