لم أحتمل جمال كلمة د. زينب في عرض ملابسات وفاة والدها أحمد الشريف بدر عمر الذي غادرنا إلى الرحاب قبل أيام. رحمه الله. لم أتصور أن ينعقد جلال الفقد وجلال القسط لإنسان في مثل وجعها. فكشفت عن ولاءين نادرين معاً. كان أولهما الولاء لوالدها الذي سهدت عليه ابنة وطبية. أما الولاء الثاني فكان للحقيقة حين ثمنت ما لقي والدها من عناية علاجية بقدر ما سمح شرط مرضه خلال التحفظ عليه في قضايا تحت التحقيق بواسطة الدولة. وهذا ورع لا يؤتيه الله إلا من أحب. وهو روع في علم الجمال، أي حرية خالصة تحررنا من براثن القبح المحدق بنا. لم أحتمل أن أسمع عذابات زينب في مخاطرتها الجليلة النادرة فأوقفت البث لأعود مرة أخرى.
ولم أكن أعرف أن منا من بلغ من سماجة الروح ليتطفل على هذا الجلال ويلوثه. فخرج علينا مزمل أبو القاسم “يُجهل” زينب في حقائقها. فجاء عنوان كلمة له قبل أيام: “كريمة الشريف تجهل الحقوق القانونية وما واجهه المرحوم من تعسف وإذلال وانتهاك للقانون”. وأعمل قلم تصحيحه النذل في صدقها لوالدها وصدقها عما بذلته الدولة في سبيل علاجه. فقال: “واضح جداً من حديث د. زينب، ابنة المرحوم، أنها لا تعرف حقوق والدها القانونية، وأنها ومن فرط محبتها له توهمت أن تمكينه من الطواف على المستشفيات وهو مريض ورهن الاعتقال يعد معاملة حسنة له، وما درت أنها وشقيقاتها ما كن ملزمات أصلاً بتولي مسئولية علاجه طالما أنه موقوف على ذمة تحقيق لم يتم حتى فاضت روحه”. ولم يزد عن اتهامها بالغفلة ولسذاجة. هذا كاتب هتيك أخرق النفس.
لا أدري ما الذي زين لمزمل، متى أراد التعبير عن احتجاجه على طول التحفظ على المرحوم أو إطلاق سراحه متى اعتل، أن يكون التنكيد على بنت المرحوم المكلومة سبيله لذلك الاحتجاج. لقد سبقه آخرون إلى الاحتجاج على الحكومة ولم يحتج أحد منهم إلى هذه السماجة دخولاً بين البصلة وقشرتها. من أي ترسو في مدرسة الصحافة خرج هذا الصفيق الذي ليس ثمة شيء مقدس عنده. لقد دس بينها وبين والدها ولم تقش دمعتها بعد والفراش منعقد؟ وهذا الصدأ في الروح عندنا كثير. فلا أعراف وثقى تحول دون الواحد والتبرج بخدماته لطالبها.
قال عبد الله الطيب مرة لطالب تسامج عليه سماجة مزمل على بنت المرحوم: “أنت قح يا فلان”. ويا مزمل أنت قح.
مزمل ابو القاسم كاتب بلا حدود