ما وراء الاعتداء على الأطباء ثقافة عنف اجتماعي مستوطنة، وسلوك ثقافي دون المدنية، لا يمت للأخلاق والديانات بصلة، عندما يبيح للفرد التعبيرعن غضبه بالإيذاء الجسدي للآخر، وأخذ القانون باليد.
اليد البشرية بقدر عظمة الخدمة التي قدمتها للتاريخ، والإنتاج الاقتصادي، والعمل، والفنون، والرياضة، والإبداع الإنساني الخلاق في مطلقه، واطلاعها بالكثير من الوظائف المفيدة، النافعة، النبيلة، فإن هذه اليد، أو تلك تأخذ في المقابل وظائف شريرة وتخريبية لسلمية الحياة وإكرام الخالق لنا بها.
فذات اليد التي كنا نسالم بها قبل كوفيد ١٩، ونمسح بها دموع المظلومين، يرسم بها الرسام، ويلون بها الملون، ويكتب بها الشاعر قصيدته، ويتناول بها الشخص وجبته، وترسم المراة الحناء على كفها، ونصنع العطور، ونعزف بها الآلات الموسيقية، ونصفق بها عند الفرح والطرب، ونزرع بها، ونحصد، و يعالج بها الطبيب ويجري بواسطتها أدق وأصعب العمليات نجدها تهجم عليه، وتعمل على إيذائه والفتك به.ويصبح المسؤول عن كل ذلك هو العقل الذي يحركها ويأمرها ويوظفها. ترك العقول على خوائها وسجيتها وما جبلت عليه من فوضي بقيمها على محمولات ثقافة ضارة متفلتة، ودون إعادة تغذية حضارية سيظل وبالاً على المجتمعات، وظاهرة أبدية، مستبدة، ومستدامة لاسوء أشكال الانتهاك لحقوق الانسان وكرامته.
الشر والكراهية والعنف ينطلقان من العقول. فعلينا السيطرة على المحتوى الثقافي والعلمي لها والعمل على تنميته، بدلا عن تركه يتهجم ليس على الاطباء فقط ولكن على فكرة الحياة في أنواعها ومساراتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. عنف الاقتصاد و السياسة يُسأل عن كل ما يحدث من خراب في التنمية البشرية التي هى أهم مهام التربية السياسية الجديدة بإدارة مطلوبة للأخلاق المرجوة، بعد أن اأطلقت الإنقاذ الغاشمة، والنظم السياسية الأمية (اليد) لارتكاب أشد ممارسات وموبقات التخلف والإساءة لكرامة الإنسان في بلد كالسودان. دائماً ما أسأل : هل يا ترى هؤلاء القوم منا؟ هل شاركوا في الثورة وكانوا معنا هنالك في الاعتصام؟ هل يا ترى شاهدوا القيم السامية المحبة للخير التي نهضت و ارتفعت راياتها بتلك الأيام؟ ام هل عدنا إلى إعدادات الإنقاذ وما أرادته لنا من دمار أخلاقي وانحطاط حضاري فعدنا دونما واعز او ضمير لحظيرة الخطأ العام؟.