كتب الأستاذ عباس حسن محمد علي طه موثقاً لعمدة عمارة القرية التي تقع في نطاق منطقة سكوت، وهو الراحل المقيم عبدالرحيم خليل حسن، وكان منها عمدة عموم سكوت، أو عمدة العمد كما جرى العرف عبدالرحمن حسن، رحمه الله، وهو عم العمدة عبدالرحيم خليل، يقول عباس ابن جزيرة صاي، رحمه الله:
ولد العمدة عبد الرحيم خليل –رحمه الله- في حلة سورته في قرية
عمارة بمنطقة السكوت في الولاية الشمالية في عام 1901م، وهو ينتمي إلى عائلة آل
حاكم حسين العائلة المعروفة في القرى النوبية، واسمه الكامل هو عبد الرحيم خليل
حسن محمد احمد حاكم حسين..
عاش مرحلة طفولته بعمارة وعنيبة في النوبة المصرية. درس
بمدرسة عنيبة الأولية، ثم التحق بمدرسة التوفيقية المتوسطة بوادي حلفا، ولم يكمل
دراسته لاستدعائه من ناظر الخط عمه العمدة عبد الرحمن حسن لمعاونته في إدارة
النظارة.
وشغل منصب شيخ
المشايخ في المنطقة في عام 1936م، وتقلّد منصب عمدة عمودية عمارة لقرى: عطب وعمارة
وقنس وجزيرة أرنتى وعبري وتبج في عام 1958م، بقرار من وزير الداخلية آنذاك اللواء
محمد أحمد عروة، وبعد توليه ذاك المنصب أنشا محكمة عمارة القروية؛ للنظر في قضايا
وشكاوى المواطنين في العمودية، وحل القضايا والنزاعات وإصلاح ذات البين، بطريقه
وديّة وعقلانية نالت إحسان وإعجاب الأهالي.
وقد أشاد به البروفيسور
محمد إبرهيم أبوسليم، وبنزاهته، كما أشاد به مدير المركز الإنجليزي آنذاك مستر بن
لإدارته الحكيمة، التي خلت بسجلاتها من القضايا الجنائية، وكان معظم القضايا
المرفوعة للمحكمة تتم معالجتها عن طريق الصلح بين المتنازعين بواسطته، ورفض أن
يلبي طلب المواطنين بتزويد المركز بضابط شرطة، إذ ذكر مستر بن بأن الأهالي طيبون
ومسالمون، ولا توجد بينهم مشكلات تستدعي تعيين ضابط شرطة، إلى جانب مقدرته على
إدارة شؤون المنطقة.
وكان للعمدة عبد الرحيم اليد الطولي والقدح المعلى في جعل
الأهالي مسالمين ومتحابين طيلة فترة عمله، رحمه الله.
تزوج العمدة عبد
الرحيم بنت عمه هجرة وهبي حسن، وأنجب منها محمد وكامل. وتزوج بعدها قبدة محمد أحمد،
وأنجب منها كلاً من جلال وختمي وفاروق والسر وأباظة وفاطمة وست البنات وفردوس، ثم
تزوج عائشة فضل، وأنجب منها فؤاد وأنور، ثم تزوج نفيسة سليمان داود من عبري، وأنجب
منها كلاً من ماهر وحلمي وخليل والتهامي وعاطف وابتسام.
توفي العمدة
عبدالرحيم خليل، رحمه الله، في 15 ابريل 1969م، بعد حياة حافله بالعمل الصالح
والطيب في خدمة عمودية عمارة، وأهلها، إذ وجه جل وقته وجهده وماله في سبيل حل
قضايا المنطقة، وبعد وفاته حلت الإدارة الأهلية في عهد الرئيس جعفر نميري.
هذه نبذه قصيرة عن العمدة عبد الرحيم، ولن نستطيع أن نعطي
الرجل حقه في هذه السانحة، فهو شخصية بقامة أمة.
اللهم اغفر له وارحمه
وارحم موتي المسلمين والمسلمات.
وكتب الأستاذ كمال غازي ابن التاجر الشهير في ذلك الزمان في
سوق عبري، والمقيم في قرية عمارة، حسين مغازي، رحمه الله، فقال كمال، متعه الله
بالصحة، عن العمدة عبدالرحيم خليل، والرجل العلم الدكتور حسن السيد محمد نور، تحت
عنوان: “ختمى … شعبى”
شخصيتان على طرفى النقيض.. لكنهما تلتقيان في قوة الشخصية،
وعمق الأثر، وبقائه.
كانا مفترقين لكنهما ملتقيان، وهل هناك التقاء ومودة أكبر من
اقترانهما بشقيقتين؟ ذانك هما عمنا العمدة عبد الرحيم خليل والعم الجسور حسن السيد
محمد نور.
كان العمدة أنيقاً مهيباً، لحية حليقة، جلباب أبيض، وعمامة
ناصعة وملفحة وعباءة سوداء، أو بيضاء او بنية اللون.
وباليد عصا قصيرة مطهمة من خشب التيك الفاخر، أو من الأبنوس
الأسود اللامع..
كان صديقاً لأبى (التاجر الشهير في ذلك الوقت حسين مغازي) من
أيام حلفا القديمة، وعندما انتقلنا إلى عبري بعد إغراقها، وكنا نسكن سكنجاما (سكن
جامع)، قال لأبى: تعال يا حسين لجيرتى، ومنحنا الأرض التي بنينا عليها دارنا في
سورتة.
وإضافة إلى ذلك، كان خال زوجة أبى والدتنا نفيسة محجوب، طيب
الله ثراها.
لا يمر أسبوع إلا ويأتي دكاننا زائراً، يأنس بأبي، ويحتسيان
قهوة كانت غامقة يعلوها وجه أسمر كثيف.
يغشى السوق على دابة فارهة .. بيضاء عالية.. كأنما اختيرت اختياراً، وانتخبت انتخاباً
لتناسب مقامه، وساقها حسن حظها لتكون مطية للعمدة، لجامها من الجلد، وسرجها منحوت
بأزاميل وأصابع ماهرة عليها حشية جلدية فوقها فرو كثيف أبيض.
كنت أصطحب زوجة أخي صلاح، وهي أمدرمانية قحة، إلى بيت العمدة
الكبير، لتهاتف أهلها كلما ساقها الحنين، وكان يلاقينا ببشره وكرمه إذ كانت
الهواتف نادرة، وكان أحدها ببيته الكبير.
فجأة يداهمه الإعياء فينقل إلى المستشفى بدلقو، فلم يكن
مستشفى عبري قد أنشئ بعد، ويهرع أبي، وبصحبته زوجه الأولى أمنا أمنة خبيري إلى
دلقو، لكن القضاء ينفذ، والوديعة تعود لباريها.
يصل الجثمان ليلاً، وليلتها أمطرت السماء وهاجت الرياح، وأخيصلاح
كامل يبكي جده (سما ليك أونجنا وو بابا)، تبكيك السماء يا أبتاه.
قل لي شمعة تحترق لتضيء، أقل لك حسن السيد محمد نور. شخصية عصامية
فولاذية تفنى ليسعد غيرها، ما ذكر العمل العام إلا وقفز لخاطري.
نذر عمره وصحته وراحته من أجل الآخرين، ولم يسع إلى مصلحة
شخصية ولا منفعة مادية، ولا عمولات وحسابات بنكية، زاهد لنفسه حفي بالآخر.
ناضل من أجل إقامة مستشفى يخدم المنطقة، وتحقق له ما أراد.
قامت جمعية سكوت التعاونية على أكتافه وكفاحه، جمع الصف، ووحد
الفرقاء، وقارب بين الآراء من أجل هدف نبيل يعود نفعه على الجميع.
تأسست عبري الثانوية على جهوده ومساعيه، قهر المستحيل وعالج
الصعب لتقوم فقامت.
يجرى هنا ويلهث هناك ويسعى إلى توظيف ذاك.
وفى صباح العيد، يتصل بأبي: حسين أنا تعبان شوية تعال وديني
المستشفى، ولا نلبث إلا قليلًا لنفجع بالرحيل المر، منْ لم يبك حسن السيد؟
رجل لا يتكرر مثله إلا نادراً، وفى تأبينه بكاه أستاذنا الفخم الضخم سيد أحمد محمد
عبده بدر بمرثية عصماء مطلعها:
حسنا فعلتم حسنا لما ذكرتم حسنا
في مجمع يجتر آهات الأسى والحزنا
على فقيد لم يزل كالحي يمشي بيننا
في غفلة منا ومنه الموت قد فاجأنا
استغفر الله لقولي من ذهول اننا
كنا حسبنا أنه أقوى من الموت قنا
ما كنت أحسب أنني يوما سأرثي حسنا
قد قارب السبعين عاماً ما رأيناه انحنى
اليتم لم يشمل عصاما وحده أو فاتنا
عبري الحزينة كلها تبكيه دمعا اسخنا
فكأنما الباكون لا يبكون إلا الوطنا
في كل جامع تلقاه قام مؤذنا
ما للتعاون بعده فقد التماسك في البنا
ما للمدارس سيما العليا تنادي حسنا
يا حسنا كنت لها روحا وكنت البدنا
قد كنت محمودا الخصال أقام فيها بيننا
سمحا كريما وادعا سهلا محبا محسنا
من راح يطلب وده يلقاه مهلا لينا
لا جاه جاهد يبتغي ابدا ولا طلب الغنى
لا باع ارضا او شرى لا حاز قصرا قد بنى
قد مضي صفر اليدين من عروض تقتنى
يا ربنا استجب لنا يا ربنا ارحم حسنا