استقال وزير المالية البدوي ، ولكن يبدو أن رئيس الوزراء حمدوك مازال يصر على الاستمرار في نفس البرنامج الاقتصادي الذي ابتدره الوزير المستقيل ، وهو ما يثير التساؤل لماذا تم قبول استقالة الوزير اذا لم تكن هناك نية في تغيير برنامجه الاقتصادي؟! وزير المالية الدكتور ابراهيم البدوي هو الوزير الوحيد الذي جاء ببرنامج محدد وواضح الملامح ولم يأتي بلا خطة او بلا برنامج، بشر ببرنامجه منذ وقت مبكر واستقطب له دعم جهات دولية معتبرة، فلماذا تم الاستغناء عن البدوي وفي نفس الوقت المواصلة في نفس برنامجه الأقتصادي؟!
قبل ايام قليلة أصدر البدوي بيانا أشار فيه إلى التدخلات التي تحدث من خارج وزارته على سلطات وزارة المالية، كما ألمح إلى مراكز قوة تؤثر على قرارات رئيس الوزراء في تحديد موقف واضح من برنامج وزارة المالية ، وأبان ان هذا ما قاده إلى جلسة مكاشفة مع رئيس الوزراء طالبا منه الدعم الكامل في ولاية وزارة المالية على الشئون المالية والاقتصادية في البلاد ومنع التدخلات من خارج الوزارة ، ولكن كما يبدو فإن حمدوك رد على تلك الجلسة بشيء واحد فقط هو قبول استقالة البدوي .
من لحظة تعيين البدوي في منصب وزير المالية واجه حملة شرسة من اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير والتي تتكون في غالبها من كوادر اليسار السوداني، ومعروف أن اليسار لديه موقف ايدولوجي ضد اقتصاد السوق الذي يتبناه البدوي ، ولذلك قبل حتى أن يجلس البدوي في مقعده رفضوهو وطالبوا بإقالته وألبوا عليه موظفي وزارة المالية ولجان المقاومة التي يسيطر عليها اليسار فخرجوا في مسيرات ضده وظلوا ينظمون الوقفات المتتالية داخل الوزارة ، انغمست اللجنة الاقتصادية في حملتها ضد برنامج البدوي وفي المقابل لم تقدم أي بدائل حقيقية لبرامج اقتصادية بديلة ، بل ظلت تقدم بدائل إنشائية وتحاول دغدغة مشاعر الجماهير بأحلام ( زلوط ) ، ولذلك شعرت هذه اللجنة بفرح غامر حين تم قبول استقالة البدوي، وظنت انها أثرت في قرار رئيس مجلس الوزراء، وأن استقالة البدوي تعني فعليا التراجع عن تطبيق موجهات المانحين والبنك الدولي، ولكن رئيس مجلس الوزراء فاجأهم في المؤتمر الصحفي لإعلان الولاة بسياسات اقتصادية تتبناها الحكومة الانتقالية لا تختلف كثيرا عن عن سياسات البدوي ، وهذا ما جعلهم يصدرون بيانا رافضا لها ، ثم اوحوا إلى جسمهم اليساري الآخر وهو سكرتارية تجمع المهنيين الجديدة فاصدرت بيانا ايضا ضد هذا السياسات، وكلها بيانات يسارية ايدولوجية ليس هدفها المواطن السوداني وإنما هدفها خدمة ايدولوجية اليسار .
لم يتم تعيين وزير مالية حتى هذه اللحظة ، وحمدوك بين خيارين ، تعيين وزير مالية يواصل في نفس نهج البدوي او تعيين وزير بسياسات اقتصادية مختلفة بالكلية عن سياسات البدوي ومنسجمة مع توجهات اللجنة الاقتصادية اليسارية، سيتعرض حمدوك لضغط رهيب من اللجنة الاقتصادية لقحت لتبني الخيار الثاني ، فإذا استجاب لهم فإن هذا سيؤدي إلى تعيين وزير مالية يساري يهدم تماما سياسات البدوي، مما يعني رفض التعامل مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ويغلق الباب أمام المانحين، ويقود البلاد في مسار دغدغة المشاعر بالاحلام الزائفة حول نهضة اقتصادية بناءا على اقتصاديات مركزية الدولة، التي تسيطر فيها الدولة على كل شيء ، وتتحول بلادنا من شمولية يمينية عسكرية إلى شمولية يسارية مدنية .
مهم ان يواصل مجلس الوزراء في البرنامج الاقتصادي الذي قدمه للعالم من قبل الوزير السابق البدوي، فهو برنامج شهدت عليه جميع المؤسسات العالمية وكل الدول المانحة وأقيمت على أساسه مؤتمرات عالمية، وتم التبرع رسميا في آخر مؤتمر من اجل تنفيذ مراحل من هذا البرنامج ، التراجع عن هذا البرنامج سيرسل رسالة سالبة للعالم عن الوضع في السودان، ويظهر ان الحكومة الانتقالية مضطربة وتسيطر عليها جماعات اليسار الراديكالي، وحكومة بهذا المنظر لن تجد تأييدا عالميا ولن تتمتع بقبول عالمي، وستسقط لا محالة .