الاحتباس الحراري مصطلح عالمي متداول يرتبط بمخاطر التلوث البيئي وثقب اﻷوزون وارتفاع درجات الحرارة علي كوكب اﻷرض، ولكن ااحتباس السياسي المزمن مصطلح يناسب السودان ونخبه السياسية وحكوماته المتعاقبة فقد ظل السودان محبوسا لعقود طويلة في سجن أحزاب خاملة الفكر بائسة العطاء رهينة الخمول والبيات الشتوي لا تستيقظ إﻻ عند سماعها المارشات العسكرية والبيانات اﻷولى لكل انقلاب عسكري يجبرها علي اﻹسراع للهروب والاختباء لتعاني البلاد من احتباس أشد صرامة .
ومأساة السودان الحقيقية هي انه يتقلب بين الاحتباس السياسي الخامل عندما تؤؤل السلطة الي القوى الحزبية المدنية حيث يبلغ الترهل السياسي مداه وتضرب الفوضى كل مكان، وتغيب هيبة الدولة ثم مايلبث ذاك الوضع طويلا حتي يطل الاحتباس السياسي الصارم عندما يقفز جنرالات الجيش علي السلطة ببيانهم اﻷول، الذي يخبر الناس بأن أوضاع البلاد وصلت إلى مراحل خطيرة من الانهيار السياسي والاقتصادي واﻷمني مما جعل القوات المسلحة حامية الوطن تتحرك لاستلام السلطة وحسم الفوضي
فاﻹحتباس السياسي الخامل في عهد السلطة المدنية يتمثل في جنوح الحريات نحو الفوضة وترهل الدولة وتراخيها وانسحابها من المواقع الواجب وجودها فيها لفرض هيبتها، ليدفع الشعب ثمنا باهظا لغياب الحكومة وهيبتها وحسمها للفوضي ، اما الاحتباس السياسي الصارم في عهد الحكومات العسكرية تشتد فيه قبضة الحكومة وتتصاعد صرامتها لتتحول الي دكتاتورية ظالمة تصادر حقوق الناس، ولتمنح منسوبيها حصانة تشجعهم علي الفساد وأرتكارب المخالفات ضد الشعب والوطن.
الفرصة اﻵن مؤاتية لعلاج ااحتباس السياسي المزمن في السودان ، إذا عمدت الحكومة لانتقالية الى فرض هيبتها ومنع
التراخي والمتجه نحو الفوضى داخل اﻷسواق والمسرع نحو الانهيار اﻷمني بفعل التفلتات والصدامات القبلية، والعمل علي تفعيل سلطة القانون بحزم، يحقق العدالة ويحمي البلاد من المخاطر، فإذا عجزت الحكومة الانتقالية عن ذلك فهي لا محالة مهددة بالسقوط والزوال، ولطالما منحت بتراخيها وغياب هيبتها فرصة لاستمرار دورة الاحتباس السياسي المزمن. فتدخل البلاد في حبائل حكم عسكري جديد يبدأ ثوريا وينزلق ليصبح دكتوريا فاسدا وظالما .
السودان يعاني من ااحتباس السياسي المزمن، ﻷن شعبه يصنع الثورات التي تتراجع إلى فوضى وغياب هيبة، ليرحب باانقلابات العسكرية التي سرعان من تتحول الي نظم ديكتاتورية قابضة وفاسدة .