عندما اندلعت ثورة ديسمبر العظيمة تحت شعار حرية سلام وعدالة كان الامل ان يتم تغيير حقيقي في كل مفاصل الدولة والقطع الكامل مع كل ارث وتركة النظام السابق المثقل بالخراب والدمار في شتي مناحي الحياة وبناء سودان جديد لينهض من جديد من وسط ركام الفشل والتردي .
واحدة من أسوأ مخلفات النظام السابق هي الخدمة المدنية والتي تدنت الى الدرك الاسفل نتيجة لسياسات التمكين ومقصلة الصالح العام والتي ابعدت معظم الكفاءات وحل محلها اهل الولاء للنظام السابق . حتى اصبح الفشل هو العنوان الابرز في الخدمة المدنية .
بعد نجاح الثورة وبداية الفترة الانتقالية ظل الوضع كما هو في الخدمة المدنية والتي مازالت تدار بذات العقلية العقيمة والتي لا تنتج الا الفشل .
كنت في احدى محليات شرق الخرطوم لبعض المهام ومقابلة الضابط الاداري ..دخل على الضابط الاداري مواطن وهو يحمل خطاب يطلب بموجبه تصديقا من الضابط للسماح له بشراء 15 جالون جاز من محطة الوقود للمولد الخاص بمنزله . كتبت الضابط معلقا على طلبه ( يمنح له بعد التأكد من دفعه لكل العوائد والضرائب الخاصة بمنزل المذكور)
هذه هي العقلية التي مازالت تدير الخدمة المدنية في وطننا .
وسط كل هذا الاحباط فاجأنا وزير العدل نصر الدين عبد الباري بقرارات ثورية خالصة أعادت لنا بعض الامل اننا نسير في الطريق الصحيح
فقد قام بزيارة مفاجئة للسجل التجاري نتيجة لشكاوي كثيرة بلغته من المتعاملين مع هذه الهيئة من التقاعس والفساد وعدم انجاز العمل وتطاول الصفوف امام نوافذ الهيئة والفساد الذي يزكم الانوف .
تأكد بنفسه من صحة الشكاوي وعاد الى مكتبه واتخذ قرارا فوريا بتغيير كل طاقم العمل في هذه الهيئة ابتداءا من المسجل التجاري وكل المستشارين وكل الموظفين حيث قضى القرار بنقل 16 من المستشارين ونقل 86 من الموظفين الى ادارات اخرى تتبع لوزارته وفي نفس الوقت اتخذ قرار بنقل 60 موظفا الى السجل التجاري ليحلوا محل الذين تم نقلهم .
لو فعل كل وزير في حكومة الثورة مثلما فعل وزير العدل لكنا نجحنا في الغاء العبارات التي كرهناها من كثرة ترديدها مثل الدولة العميقة وسيطرة عناصر النظام السابق … الخ هذه الشماعات التي نجحنا في تعليق الاخطاء عليها .
الى متى نرمي اللوم على الدولة العميقة ؟؟ لماذا لا يتخذ الوزراء مثل هذه القرارات الجريئة والقوية مثلما فعل وزير العدل ؟ لاحظوا انه لم يتخذ قرارا بفصلهم من الخدمة حتى لا يقال انه قام بتمكين جديد ..فقط قام بتغيير مواقعهم واذا فشلوا في مواقعهم الجديدة قطعا سيتم التخلص منهم وهذا من حقه ولا لوم عليه بعد ذلك .
شكرا نصر الدين عبد الباري لقد اثبت لنا ان الثورة مازالت تعيش وان هناك امل في التغيير
الامل كبير في بقية وزراء حكومة الثورة ان يتخذوا خطوات مماثلة .. لا نريد ان نسمع منكم قصة الدولة العميقة فها هو الوزير عبد الباري قد أعطاكم المثل الحي في كيفية ادارة ملف الدولة العميقة فلا عذر بعد الان .
تحركوا وانجزوا والا فإنتم الدولة العميقة وليس غيركم