أعلن الجيش، عن قيام قوات تتبع للحركة الشعبية جناح الحلو بنصب الكمائن وزراعة الألغام في طريق مرحال الرعاة العائدين من الجنوب إلى الشمال والقوة التي تعمل في تأمينه والتابعة للقوات المسلحة في منطقة “خور الورل” في جنوب كردفان، الأمر الذي أدي إلى إزهاق العديد من الأرواح، مؤكدة التزامها التام بوقف إطلاق النار وإجراءات بناء الثقة.
من جانبها، ردّت الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، أن القوات المسلحة قامت في تاريخ 14 أكتوبر 2019 بمساعدة أفراد قبيلة الحوازمة دار نعيلة بتخطي مناطق أونشو بالمسار الشرقي المختلف حوله، وبعدها قامت بنصب كمين في الطريق الذي يسلكه المواطنون بالمناطق المحرّرة في منطقة “خور الورل” وألقوا القبض على المواطنين، وتجددت هذه الخروقات مرة أخرى باستخدام القوة لعبور مرحال نفس المجموعة بنفس المسار متجها إلى مناطق القوز، ما تسبب في نزوح المواطنين، مؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الممارسات التي تستهدف مناطق سيطرتها.
بالنظر إلى طريقة تبادل البيانات الأثيرية التي اتبعها الطرفان، يتضح لكل مراقب عدم وجود تواصل بينهما، وأن الخوض في وحل “خور الورل” كان يجب ألا يحدث وألا نفقد أرواحاً عزيزة أخرى، في حال كان هناك تنسيق وشفافية بين جميع الأطراف على طاولة المفاوضات في جوبا، مع ملاحظة تكرار ذات المشكلة وبذات السيناريو، ولا ضمانات حتى الآن من عدم تكرارها مستقبلاً.
نعلم أن الـ6 أشهر الأولى من الفترة الانتقالية خصصت لتحقيق السلام وعودة الحركات المسلحة إلى الخرطوم، لمواصلة النضال المدني بعد سقوط نظام البشير، ولكن تمددت الفترة إلى أكثر من عام، وبدلاً من الاحتفال سوياً بتحقيق السلام بعد إنجاز أعظم ثورة مرت على تاريخ السودان، نشاهد بيانات التصعيد واستمرار المعارك القبلية، وعدم التنسيق بين الجيش وحركات الكفاح المسلح.
ونؤكد أن استمرار حصر التفاوض في أجندة خاصة بأنظمة الحكم، وإضافة أجندة جديدة كل يوم، يطيل المفاوضات ويدخلها في تفاصيل دقيقة وخلافات فكرية ومحاصصة، وبذلك تنحرف عن مسارها الأساسي المتمثل في التفاوض حول عودة كل الحركات المسلحة، وإجراءات دمج وتسريح القوات، وضمانات ممارسة العمل السياسي المدني في الداخل جنباً إلى جنب مع جماهير هذا الشعب.
الاعتصامات السلمية الأخيرة التي انتظمت البلاد، أثبتت للجميع أن الحروب الأهلية لن تحل قضية، بل ولن تسقط أنظمة شمولية، والدليل هو سقوط جميع الأنظمة الدكتاتورية التي مرت على تاريخ السودان بثورات شعبية سلمية في 1964 و1985 واخيراً ثورة ديسمبر 2018 التي أسقطت أسوأ نظام قمعي لم يكن يعرف سوى لغة السلاح والقتل، وبسقوطه انتفت أسباب الكفاح المسلح، واستبشرنا خيراَ بمفاوضات جوبا، ظناً منا بأنها مجرد إجراءات للعودة، ولكن على ما يبدو تبدلت الأجندة وحدثت انتكاسة قد يطول أمدها.
صراعات الرعاة والمزارعين، والعرب والدارفوريين، والنوبة والبني عامر، والهوسا والنوبة والبجا، الزغاوة والحلفاويين، الجيش والمليشيات، الحركات المسلحة والجيش، لن تحلها لغة البيانات والمعارك المسلحة ولا حتى المفاوضات، ولنعلم أن كل هذه الصراعات القبلية والعنصرية الحالية هي نتاج 30 عاماَ زرعت خلالها الفتن القبلية والعنصرية والألغام والقنابل الموقوتة، ولن نستطيع تجاوزها بدون وعي وإرادة تنظر إلى المستقبل من أجل البناء والتعمير.. دمتم بود