هناك دعوات للحشد الشعبي يوم الاثنين المقبل 17 أغسطس الجاري، ليس لاستكمال مهام الثورة، بل لاسترداد الثورة، فالحكومة وبأدائها البائس ليست فقط عاجزة عن ترجمة شعارات الثورة الى إنجازات ملموسة، بل تفرط بذلك في الثورة، وقوى الحرية والتغيير (قحت) التي يفترض انها حاضنة للحكومة، لا تختلف عن القطة التي تأكل أبناءها، لأن مكوناتها مشغولة بالتناحر الداخلي وتكبير الأكوام، وأحزابنا مشغولة بمغانم افتراضية، وهي أصلا تتمتع بحصانة ضد التطور ومناعة ضد الإدراك، ولا تعي دروس التاريخ ولا تدرك ان الجيل الذي فجر ثورة ديسمبر وقاد مسيرتها الى النصر الجزئي ليس من القطعان التي يمكن تحريكها وفق هوى القيادات المتكلسة.
ولو وجدنا العذر للحكومة لعجزها عن حل الأزمة الاقتصادية فبماذا نبرر قعودها عن حماية الأرواح، فها هي الأوضاع في دارفور تتردى، وها هي الدماء تسيل في مدن وبلدات لم تعرف من قبل عنفا دمويا، والشرق بأكمله يلتهب،
وبورتسودان غدت ميدنا لحرب عبثية، وكما جاء في صفحة أثيرية تدعم حكومة حمدوك: ماذا تفعل حاميات القضارف و دوكه و كسلا وجبيت والقوات البحرية؟ أين قواتنا النظامية التي ظلت تحظى بأكثر من 70% من مخصصات ميزانية الدولة عبر السنين؟ لماذا تم الاستنجاد بقوات من الفاشر بعد خراب سوبا الى بورتسودان لاحتواء الفتنة الدموية؟ كيف انتهى بنا الأمر وقد صارت قوات الدعم السريع التي كانت يوما ما الشيطان الرجيم في نظر الثوار هي المناط بها الفزعة والنجدة: تحارب التهريب وتجارة البشر والمخدرات، وإخفاء السلع وتوزع مواد الإغاثة والمعينات الطبية وتشارك في حملات النظافة ودرء مخاطر الفيضان وتحفظ الأمن في أركان السودان الأربعة؟
يحدث هذا لأن الحكومة فقدت بوصلة الثورة: وزيرة العمل تصدر قانونا للنقابات يجعلها شخشيخة في يد الحكومة، ووزير الحكم الاتحادي أصدر قانونا يجعل من الوالي امبراطورا فوق الجميع يملك صلاحية تشكيل حكومة الولاية ويجلس أعلى هرم السلطة التنفيذية والتشريعية، وبالتالي يصبح غير خاضع للرقابة والمحاسبة، ووزيرة المالية تقوم بعمل ترقيع للميزانية ليس لتخفيف ضغوط المعيشة على الناس، ولكن لعصرهم حتى “يجيبو الزيت” برفع أسعار الكهرباء والمحروقات بنفس منطق حكومة البشير، ومجلس السيادة استغل ظروف الكورونا لتمرير صفقة شراء 70 سيارة جديدة ثم تواضع وخفض العدد الى 35 بقيمة 482 تريليون جنيه (بالقديم) بدون طرح طلب عطاءات بأن أسند توريد شراء السيارات الفارهة لشركة واحدة، ولما انكشف الملعوب تم الغاء الصفقة دون ان يخضع من طبخها للمحاسبة (وكيف يحاسب وهو عسكري برتبة فريق ركن؟)
جماهير الثورة قد تصبر على شظف العيش حينا من الدهر إذا رأت ان هناك من المساعي ما يشير الى ان الفرج آت، ولكن ان تظل الحكومة تبرطع على كيفها في غياب الرقابة والمحاسبة من المجلس التشريعي، وان تظل الحكومة تبيع للناس الهواء والكلام الهراء، وأن تستباح الدماء في كل مكان، هذه أمور لا يمكن السكوت عليها، ولابد من استرداد الثورة وسلطة الشارع الثوري، ولابد للجان المقاومة ان تكون القائد الفعلي في المرحلة المقبلة، فهي وليست أي جهة أخرى داخل أو خارج أروقة الحكم من تتولى أعباء مراقبة تدفق وتوزيع السلع وضبط المؤامرات، وهي وحدها في الساحة بلا أجندة حزبية، والآن حان الأوان لتقنين مهامها وضبط أدائها بموجب مواثيق مكتوبة تجعل منها الحاضنة الفعلية للحكومة، لتعمل على استكمال هياكلها دون الخضوع لابتزاز جماعات مسلحة او أحزاب شاخت او كادت تشيخ