الخرطوم- التحرير:
لعل الغالبية العظمى من المواطنين السودانيين لم يكونوا متفائلين بإمكانية صدور قرار برفع كلي للعقوبات الاقتصادية المفروضة من الولايات المتحدة الأميركية على البلاد منذ نحو 20 عاماً، وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أصدر أمراً تنفيذياً في يناير الماضي قضي برفع جزئي للعقوبات الاقتصادية عن البلاد، تمهيداً لرفعها بشكل كلي في يونيو الجاري إذا ما أوفت الحكومة السودانية بتعهداتها إزاء مكافحة الهجرة غير الشرعية، والإرهاب، ووقف الحرب بالمناطق الملتهبة، وغيرها من الاشتراطات التي حددتها الإدارة الأميركية لرفع العقوبات، على الرغم من ذلك كله، ومع أن الخرطوم كانت تحبس أنفاسها حتى يوم أمس ترقباً للقرار الأميركي إلا أن الادارة الأميركية أصدرت قراراً قضى بتمديد مهلة البت في مسألة العقوبات الاقتصادية الى ثلاثة أشهر أخرى، الأمر الذي وجد تفاعلاً لدى كثيرين، خصوصاً القوى السياسية المهتمة بالشأن العام بالبلاد، إذ انطلقت دعوات إلى الإصلاح، وهناك أيضاً من وصف قرار الرئيس عمر البشير بتجميد التفاوض مع واشنطن بأنه “غير حكيم”.
صديق يوسف: العقوبات “شماعة” الحكومة
يقول عضو اللجنة المركزية بـ”الحزب الشيوعي السوداني” صديق يوسف في حديثه لـ (التحرير): “إن موقف الحزب من مسألة العقوبات نفسها وكيف أن دولة تفرض عقوبات على دولة أخرى مبدأ مرفوض تماماً”، وعدّ ذلك الأمر تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول، ولافتًا إلى أنهم ضد أن تقوم دولة معينة بفرض شروطها على دولة أخرى.
وزاد بالقول: “من حق الدول أن تقطع علاقاتها ببعضها، ولكن ليس من حقها فرض عقوبات على بعضها بعضاً”، منوهاً إلى أن هذا الحق مكفول فقط للأمم المتحدة، ولا يصدر إلا بقرار، وبأغلبية كبيرة.
وقال يوسف: “طالما قبلت الدولة بأن تفرض عليها دولة أخرى شروطها، فإن ذلك يعني السماح لأي دولة بالتدخل في شؤونها الداخلية”، مدللاً على ذلك بتدخل السودان في حرب اليمن، الذي يراه تدخلاً في الشؤون الداخلية لتلك الدولة، وتابع “نحن لا نقبل أن تأتينا السعودية أو الولايات المتحدة ليحاربا ببلادنا”؛ وأضاف: “على الرغم من أننا مع تحليل الأميركيين بأن الحكومة لم تف بشروط وقف الحرب، وإرساء الديمقراطية، وأن الحكومة تقمع شعبها، وتخوض الحروب في المناطق المتوترة، وتتخذ سياسات ضد مصالح شعبها، ومع ذلك كله إلا أننا نرى ذلك شأناً داخلياً، ولا نرغب في أن تأتي دولة أخرى لتحل قضايانا “.
ويشير يوسف إلى أن العقوبات ليست هي السبب في الضائقة المعيشية بالبلاد أو انهيارها الاقتصادي، منوهاً بأن سياسات الدولة الخاطئة إزاء هذه القضايا لتحطيمها المشروعات الانتاجية بالبلاد فضلاً عن سياساتها الاقتصادية هي السبب، مشيراً إلى أن النظام هو الذي دمر البلاد، وليست العقوبات التي لا يجب أن نعلق عليها شماعة الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة.
علي نايل: (امش صاح يحتار عدوك فيك )
القيادي بـ”الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل” علي نايل أبدى أسفه حيال القرار الأميركي الأخير، واصفاً الولايات المتحدة بعدم الصدق، وأردف بالقول: “سنظل نحلم، ولكن أحلامنا دائماً تتبدد”، وطالب نايل في حديثه لـ(التحرير) الحكومة السودانية بإصلاح سياساتها، ليس من أجل الأميركيين، ولكن من أجل البلاد، بالابتعاد عما يجلب لها الحصار والعداوات والعقوبات، وقال: ” الحكومة إذا مضت على الطريق الصحيح، وحققت ما هو مطلوب منها من ديمقراطية وإيقاف للحروب لا أعتقد أننا في تلك الحالة سنكون محتاجين إلى عطف الولايات المتحدة الامريكية؛ مستشهداً بالمثل القائل (أمشي صاح يحتار عدوك فيك ) .
ووصف نايل القرار الجمهوري بتجميد لجنة التفاوض مع الولايات المتحدة حتى اكتوبر المقبل عقب صدور القرار الأميركي، وصفه بغير الحكيم، وقال نايل: على الحكومة أن تسعى للتفاوض ومد حبال الصبر وإصلاح أحوال الدولة بحسبان أن التفاوض سيتيح مجال للحكومة أن تفهم ماذا تريد الولايات المتحدة الامريكية، واستدرك لكن عندما تقوم الحكومة بقفل ذلك الباب، ومن ثم لن يقود ذلك إلى شيء، بل سيؤدي إلى نتائج عكسية.
إبراهيم الأمين: رفع العقوبات بالكامل يحتاج لوقفة
قال الأمين العام السابق لـ”حزب الأمة القومي” دكتور إبراهيم الأمين: “إن القيمة الاقتصادية لقرار رفع العقوبات تتمثل في الاستفادة منه في إحداث تغيير داخل البلاد؛ لأن قضية البلاد في المقام الأول سياسية اقتصادية، مذكراً في حديثه لـ (التحرير) بضرورة إحداث التحول المطلوب، ومراجعة إستراتيجية البلاد بصورة شاملة بأن يكون لدينا خطة مدروسة للنهوض بالسودان تبدأ بالبنية التحتية والمشروعات الاقتصادية العملاقة في مجال الزراعة؛ وقال: “إن هذا لن يتأتى ما لم تكن هنالك إرادة سياسية قوية تعمل على إحداث التغيير من أجل السودان، وليس من أجل أي حزب سياسي أو جهة سياسية معينة”.
وحول قرار تجميد لجنة التفاوض مع الولايات المتحدة حتى أكتوبر المقبل، يقول الامين: قضية التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية شأن سياسي، والتفاوض مع الولايات المتحدة يجب أن يكون جزءاً من السياسة الخارجية للدولة، وأضاف: “الواضح أن قضية التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية أخذت أبعاداً لم تكن في مصلحة السودان، فهنالك ادعاء لأكثر من مسؤول حكومي بأنه كان السبب الأساسي في التغيير الذي حدث في السياسة الأميركية تجاه السودان، مشيراً إلى “احتفال الحكومة الكبير جداً بالرفع الجزئي على أساس ما سيترتب عليه من رفع كلي للعقوبات”.
وتابع: تجميد رفع العقوبات بالكامل يحتاج إلى وقفة؛ لأن القضية الاساسية ليست رفع العقوبات، بل رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، ومادام أن السودان اسمه مضمن في تلك القائمة؛ فإن ذلك من شأنه تعطيل أي عمل جانبي مرتبط بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، لذلك لا بد من تحسين العلاقات ليس مع الولايات المتحدة وحسب ولكن مع كل دول العالم، وأن تكون لدينا سياسة واضحة يشعر بقيمتها المواطن السوداني، وعلى ضوء ذلك سنجد الاحترام من كل دول العالم .
محمد مالك: تجميد لجنة التفاوض يعني المزيد من التعقيد
ويقرأ رئيس حزب “تجمع الوسط” محمد مالك في حديثه لـ(التحرير) حيثيات القرار الأميركي بأنه قرار متوقع نتيجة لعدم التزام الدولة بشروط رفع الحظر، فضلاً عن التعقيدات التي حدثت بمنطقة الخليج وموقف السودان منها، إضافة إلى معضلة تحقيق السلام التي تعقدت أكثر، والتضييق على الصحافيين، ويؤكد مالك ممارسة الولايات المتحدة لمزيد من الضغط والابتزاز، ويضيف “الأميركيون هذا طبعهم، وسيسعون إلى الاستفادة من هذه القضية لأقصى حد”، ويشير مالك إلى أن تجميد لجنة التفاوض مع الولايات المتحدة سيعني المزيد من التعقيد .