غيوم كثيفة من الشك اصبحت تحوم حول الوضع السياسي والاقتصادي بالبلاد، فالاوضاع تتدحرج من سيء الى اسوأ، وهي علامات تزيد من الإحباط وترفع من وتيرة اليأس، ولكن مهما كانت التحفظات على اداء الحكومة الانتقالية ومهما كانت الملاحظات على مجلسها السيادي والوزاري، إلا أنها في النهاية حكومة الثورة، الحكومة التي دفع الجميع ثمنا باهظا من أجل مجيئها، وبالتالي علينا مواصلة الإيمان بها وبإمكانية إصلاح الحال.
اختراقات عديدة يمكنها أن تكون مدخلا لاستعادة الامل، أولها بلا شك استعادة وحدة الحاضنة السياسية، قوى الحرية والتغيير. قحت الآن بلا حزب الأمة القومي وانسحب منها الحزب الاتحادي الموحد، ومجمد فيها لأسباب الاختطاف السياسي تجمع المهنيين، وبالتالي هناك عطب كارثي في القوة الدافعة للحكومة، ضعف الحاضنة يعني ضعف الحكومة، للاسف بعد تجميد حزب الأمة فإن الأحزاب السياسية التي تدير عجلة الحاضنة السياسية اما أحزاب بلا تجربة حكم كحزب المؤتمر السوداني وحزب البعث، أو أحزاب مضى عليها أكثر من نصف قرن لم تحكم كالحزب الشيوعي الذي عهده بالحكم التنفيذي عام ١٩٧١ لحظة انقلاب هاشم العطا، أو أحزاب منفصلة عن بعضها الآخر كاحزاب الاتحادي المعارض المنفصلة عن الاتحادي الديمقراطي.
حزب الأمة القومي هو أقرب أحزاب قحت للحكم اذ حكم ابان الحكم الديمقراطي الاخير من ١٩٨٦ إلى ١٩٨٩، وبالتالي يملك تجربة أفضل من غيره كان يمكن أن يفيد بخبراته لولا التجميد وهو تجميد موضوعي ينادي بمثل ننادي به في هذا المقال وهو هيكلة وتوحيد وضبط قحت. الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل يملك تجربة حكم حديثة مع الإنقاذ ولكنه غير مؤهل للانضمام لحاضنة الثورة نتيجة بقاءه مع الإنقاذ حتى لحظة سقوطها، وينطبق المثل على حزب المؤتمر الشعبي. في غياب الثلاثية التاريخية التي حكمت السودان وكانت فيه في المقدمة عبر التاريخ السياسي ( الامة القومي، الاتحادي الديمقراطي، الاسلاميين) يظل متوقعا ان تتخبط خطوات الحكومة الانتقالية، فالذي لم يجرب الحكم سيصعب عليه بكل تاكيد، فالحكم ليس نزهة وإنما قدرات وخبرات تراكمية. لذلك لا داعي للضغط على الحكام الجدد وهم يتعلمون أولى خطوات الحكم، فهم رغم الملاحظات عليهم خير من البديل وهو الشمولية.
استعادة وحدة الحاضنة السياسية وهيكلتها بطريقة واضحة وصريحة سيقود إلى تقوية الحكومة، ضمن هذا التوحيد للحاضنة السياسية يجب إعادة توحيد تجمع المهنيين، وتحريره من قبضة الاختطاف الحزبي وعودته للعمل كجسم مهني مستقل غير محزب من أجل حشد طاقات غير المحزبين من الأجيال الجديدة.
هل سيكون العبور سهلا؟ لا لن يكون، سيكون صعبا جدا، وسيكون الفرق بين النجاح بإقامة الديمقراطية والعودة للشمولية خيطا رفيعا، لا يراه الكثيرون ولكنه كافي لتنبيه القادرين على البصر وأصحاب البصيرة. الحكومة الانتقالية أضعف من أن تنتقد وبها من الهشاشة ما يجعل النفخ فقط كاف لزحزحتها، لذلك خففوا عنها الأقلام، تغاضوا في هذه المرحلة الحرجة عن الهفوات والهنات فالذين يتسيدون الساحة حكام جدد، جدد على كل شيء، فلنساعدهم على الاصلاح والترميم وليتم تطعيمهم عاجلا بخبرات معتقة، تضمن وصول البلاد إلى الانتخابات والتي لن تأتي يومئذ إلا باصحاب الخبرات والقدرات.
sondy25@gmail.com