الحلول الأمنية ليست كافية للخروج من عنق الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، والتي تزداد يوما بعد يوم وتؤثر بصورة مباشرة على مستقبل الديمقراطية في السودان، الانهيار الاقتصادي الذي يحدث الآن لا يؤثر فقط على ( قفة الملاح ) للمواطن بل يؤثر على حاضر ومستقبل الدولة السودانية برمتها ويخرجها من مولد الثورة بدون حمص، لذلك بدل إجراءات الطواريء الاقتصادية ننصح الحكومة الانتقالية بالاتجاه نحو تفعيل الاختراقات السياسية الجريئة من اجل شراء استقرار البلاد وضمان وحدتها.
بالأمس ذكرت أن أهم وأول هذه الاختراقات هي توحيد الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية ( قحت )، فهي الآن ( مشلعة ) و ( حالها بالبلا ) وبعد تجميد حزب الأمة وانشقاق تجمع المهنيين فإن الحاضنة السياسية المتبقية لا تمثل إلا أحزاب( الفكة ) الجديدة، التي لا تتمتع بثقل جماهيري ولا حاضنة اجتماعية حقيقية، وهي أحزاب ( خرطومية ) بامتياز، النظرة السياسية البسيطة ترى بوضوح أن حاضنة الدولة السياسية غير جديرة بالحكم، لذلك إما أن تتوحد هذه الحاضنة على أسس جديدة او ستتبدد، والمشكلة ان تبددها قبل توحدها قد يقود إلى تبدد دولة الثورة ومكاسبها في الحرية والسلام وعودة الشمولية، لذلك إقامة المؤتمر التداولي لقوى الحرية والتغيير الآن أكثر ضرورة من اي وقت مضى، ويجب أن يكون الشغل الشاغل للحاضنة السياسية.
الاختراق الثاني هو الذهاب العاجل نحو تكوين المجلس التشريعي لزيادة قاعدة المشاركة السياسية في إدارة الحكومة الانتقالية، وهذا يستوجب فتح الباب واسعا لمشاركة واسعة لكل أطياف المجتمع وكل التنظيمات السياسية ما عدا المؤتمر الوطني. مجلس تشريعي متنوع، ذو قاعدة مجتمعية وسياسية عريضة سيكون ( درقة ) شعبية لتحصين الحكومة الانتقالية، وركيزة استقرار سياسي واقتصادي.
الاختراق الثالث هو المساومة التاريخية عبر إدارة حوار مع جهتين القوات المسلحة والدعم السريع ، والإسلاميين، السلفيين والحركة الإسلامية وغيرهما، وفق إقرار مبدأ العقاب لمن ظلم من الحقوق الواجبة بمنطوق القانون، بينما الوطن للجميع، والاتفاق على دعم التحول من الشمولية إلى الديمقراطية بمنطق ان إقامة دولة الحقوق وحكم القانون هي مصلحة الجميع، وأن المستقبل السياسي لهذا البلد يحتاج الاجماع لا الخلاف، والوحدة على المباديء العليا وحمايتها لا تقويضها والانقلاب عليها.
حاولت الانقاذ ودول متعددة استخدام عصا الطواريء الاقتصادية والسجون والمصادرات ولكنها فشلت، التجارب تخبرنا بان المعالجات الامنية لوحدها لن تخرج الاقتصاد من أزماته، القرارات السياسية الشجاعة هي التي تفعل ذلك، القرارات السياسية التي توحد الحاضنة السياسية وتساوم الناقمين وتكون مجلسا تشريعيا فعالا، سوف تهيء البلاد للاستقرار الذي يمثل أحد أهم مطلوبات الإنتاج والاستثمار، وهما الوسيلتان السحريتان لإخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية. اذا كان من الصعب على الحكومة تحقيق هذه الاختراقات، فليس من خيار اخر امامها لتجنب سقوطها سوى الانتخابات العامة المبكرة.
sondy25@gmail.com