لو صح فعلاً أن بعض شبابنا من لجان المقاومة الذين مهروا ثورة ديسمبر المجيدة بأرواحهم ودمائهم وطاقاتهم طلباً للحرية والعدالة والسلام ، قد إختلط عليهم أمر التفريق بين النظام البائد وسِماتهُ وخصائصهُ (المحسوبة) على الإسلام وهو بريءٌ منها ، وبين الإسلام الحق الذي يعتنقهُ معظم السودانيين منذ الأزل بوسطيةٍ وصدقٍ وإخلاص لله تعالى والوطن دون إنتماء لحزبٍ سياسي ولا تجمع ولا حِلف ، يحترمون ويوادون ويتقبَّلون من يخالفونهم العقيدة ويشاركونهم الإنتماء إلى هذه الأرض الطيبه ، إذا صح هذا الخلط وتأكَّد وجب علينا التوقف ولو لبُرهةٍ من الزمان لنتبيَّن صحة إتجاهات مسيرة هذه الثورة.
فمن الناحية المنهجية نتفَّهم أن ما مِن أحدٍ من قيادات هذه الثورة أو منسوبي حكومتها أعلن ظاهراً أو باطناً محاربتهُ لدين الإسلام ، إلا إذا فهم المتطرِّفون من إتاحة حُرية الإعتقاد للآخرين فيه حربٌ على الإسلام وهذا ما لا يجوز إعتمادهُ لا على مستوى تعاليم الكتاب ولا على مستوى سُنة وسيرة النبي الكريم (ص) فيما نُقل عن تعاملاته مع اليهود والنصارى والمجوس في عهد دعوته الأولى بمكة ، ثم في عهد دولته الفتية في المدينة ، إذ كانت كلها لا تخرج عن إطار التعايُش عبر مبدأي (لكم دينكم ولي دين ، وأدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
أما من الناحية الشكلية فإن الجنوح بلا وعي وتحت تأثير الحماس الثوري لدى بعض الشباب ، نحو محاولة إضفاء حالة التوجُس والشك وربما الكراهية نحو كل ما يشير إلى إسلامية المجتمع السوداني الراسخة في تاريخه قبل نشأة حركة الإخوان المسلمين ، وذلك عبر مُلاحقة المظاهر والتجمُعات الدينية الإسلامية ، والدعوة إلى نبذها وإهانة روادها ومُنتسبيها وإشانة سمعتهم و نعتهم بأنهم (كيزان) ، فذلك عاجلاً أم آجلاً سيؤدي إلى خرابٍ ودمارٍ كبير في البنية الإجتماعية الصامدة على التعاون والتعايش حتى الآن ، لأن حِدة الإستقطاب المجتمعي ما بين (فكرتين وهميتين) إحداهما تنسب الإسلام وروادهُ المُلتزمين إلى نظام سياسي كان يعتلي فساداً بشعارات الإسلام وهو بعيدٌ عن مضامينها ، وبين ثورةٍ يدَّعي مناهضوها على المستوى السياسي بأن روادها ومُناصريها (كُفاراً) يحاربون الإسلام ، ستكون نهايتها الحتمية التطرُّف والجنوح إلى العُنف وأخذ الحقوق عنوةً عوضاً عن أخذها بالحوار والتفاوض والقانون.
من وجهة نظري الشخصية أن هذا الإستقطاب الذي يحدث الآن ويختصر خلافاتنا السياسية تحت طائلة الكُفر والإسلام ، لن يستفيد منهُ سوى ذات الجماعات التي إنتفض الشعب ليزيحها عن صدارة مواردهُ وحقوقهُ ومُكتسباتهُ وكرامته المُهدرة ، أولئك الذين كان الإسلام بالنسبة إليهم مجرَّد آلة يستخدمونها (للتعالي) على المُحتَّجين من ظلمهم وفسادهم وإبتعادهم عن الدين القيِّم ، أقول هذا بعد أن تأكّد لي خبراً مفادهُ أن مجموعة من لجان المقاومة في مدينة عطبرة ، هاجمت مجموعة من الكهول والمُسنين تجمعوا عبر سُنةٍ إستنوها للصيام كل يوم إثنين والتجمُّع لإفطار جماعي ، حيث هاجموهم وأطلقوا عليهم أفظع الألفاظ والشتائم وإتهمَّوهم بالكوزنة ثم أبلغوا الجهات الأمنية أن ما جمعهم كان إجتماع تنظيمي رغم أن تجمعهم كان في ساحةٍ عامة وأمام أعيُن الناس وخلف أبوابٍ مفتوحة تدعو المارة إلى مشاركتهم الإفطار والإستماع إلى المواعظ الدينية ، على من يهتم لأمر مسارات الثورة والإتجاهات السلوكية لبعض أفراد لجان المقاومة أن يُعمل الفكر لإيجاد معالجات لما يحدث في أوساط المجتمع من إثارة وإستعداء لأهلنا البسطاء الذين وجدناهم منذ أن وعينا يصلون ويصومون ويحتفون بعقيدتهم بلا ضررِ ولا ضرار ، وعلى من يقف خلف إدارة علاقات لجان المقاومة مع المجتمع أن يُلفت نظرهم إلى أن ردود أفعالهم حول المُتديَّنين وإتهامهم بالكوزنة إنما يرفع من أسهم الكيزان وينتخبهُم إلى مصاف الصادقين في إيمانهم وإسلامهم وربما يُبرِّئهُم من ما خاضوا فيه من فسادٍ وتجاوزات.